"ليبانون ديبايت" - محمد المدني
منذ إقرار قانون الانتخاب عام 2017، لم تهدأ النقاشات حول عدالته ومردوده على الحياة السياسية في لبنان. فبعد دورتين انتخابيتين في العامين 2018 و2022، تبيّن أنّ القانون الذي رُوّج له يومها على أنه إصلاحي، لم يكن سوى تركيبة مفصّلة على قياس القوى الكبرى، عزّزت الطائفية السياسية ومنعت أي تجديد فعلي في مجلس النواب.
واليوم، مع اقتراب الاستحقاق النيابي الجديد في أيار 2026، يعود النقاش إلى الواجهة، لكن وسط صمتٍ ثقيل يوحي بأنّ الجميع يتعامل مع الملف كـ"صندوق سمّ" لا يريد أحد فتحه الآن.
الغبن الأكبر في قانون الانتخاب ارتدّ على الطائفة السنيّة، إذ جعل توزيع الدوائر الصوت السنيّ محاصَراً ضمن تحالفات مسبقة، فيما عمّقت آلية الصوت التفضيلي الانقسامات الداخلية وأضعفت وحدة التمثيل. حتى أصوات المغتربين، التي كان يُفترض أن تمنح السنّة رصيدًا إضافيًا، جرى تجميدها في دائرة صورية من ستة مقاعد فقط، ما فاقم شعور الحرمان السياسي لدى طائفة كاملة.
لكن السنّة ليسوا وحدهم المتضرّرين، فالقوات اللبنانية التي اعتبرت نفسها المستفيد الأول من النسبية والصوت التفضيلي، تجد نفسها مهدّدة بخسارة ثلاثة إلى أربعة مقاعد إذا جرت الانتخابات وفق القانون الحالي. أما "التغييريّون" الذين ارتكزوا على موجة الغضب الشعبي وأصوات الاغتراب، فهم في خطر فعلي، لأنّ حصر المغتربين في دائرة واحدة يعني حُكمًا تقليص وزنهم النيابي.
في المقابل، يظهر الثنائي الشيعي الأكثر تمسّكًا بالإبقاء على القانون. فحزب الله وحركة أمل يدركان أنّ أي تعديل قد ينعكس على حجم كتلتيهما. ورفض رئيس مجلس النواب نبيه بري مؤخّرًا إدراج بند التعديل على جدول الأعمال كان رسالة واضحة بأن "لا بحث في الملف حاليًا".
واللافت أنّ التيار الوطني الحر، أحد مهندسي قانون 2017، وجد نفسه أقرب إلى موقف الثنائي، إذ يعتبر أنّ أي تعديل قد يُضعف حضوره في دوائر حسّاسة ويعزّز موقع خصومه، ولا سيما القوات اللبنانية. أمّا تثبيت دائرة المغتربين بستة مقاعد، فيُنظر إليه كوسيلة لتخفيف الضغط عن القوى التقليدية وحماية توازناتها.
المشهد إذًا معقّد، السنّة يتحدّثون عن غبن، القوات تخشى التراجع، التغييريّون على أبواب الاندثار، التيار الوطني الحر متمسّك بالقانون لحماية حصّته، والثنائي الشيعي يصرّ على عدم المساس بالتركيبة. وبين هذه الحسابات، يبقى قانون الانتخاب مجمّدًا بانتظار لحظة الانفجار التي قد تسبق انتخابات 2026، حين يُستخدم كورقة تفاوض في معركة السلطة المقبلة.
الخلاصة أنّ القانون الحالي فقد غطاءه الوطني، وأثبت أنّه كرّس الغبن بدل العدالة. ورغم كل الدعوات إلى تعديله، فإنّ المؤشّرات حتى الآن تدلّ على بقائه كما هو، إلى أن تفرض الظروف الداخلية والخارجية فتح "صندوق السمّ" المؤجّل، ليُطرح السؤال الكبير: هل تكون الانتخابات المقبلة مدخلًا لإصلاح حقيقي، أم مجرّد إعادة إنتاج للظلم نفسه بعناوين جديدة؟