"ليبانون ديبايت" - فادي عيد
نجحت حكومة الرئيس نوّاف سلام في إخراج لبنان من دائرة الضغوط الخارجية، وانخرطت في مهمة دقيقة رغم الضغوط الجديدة التي ترتّبت عليها نتيجة موقف "حزب الله" المُتدرِّج في التصعيد، ولو بالخطاب في اللحظة الراهنة. ومع عودة الموفد الرئاسي الأميركي توم برّاك إلى بيروت بالأمس ترافقه نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتيغاس، يرتسم سيناريو خاص بهذه العودة، خصوصاً وأن برّاك ليس راعياً بل وسيطاً لعملية تنفيذ سلسلة الخطوات الواردة في اتفاق وقف إطلاق النار، المعروفة بالورقة الأميركية، والتي كان قد طرح لبنان ملاحظاته عليها، واتخذ قراراً منذ أسبوعين، وافق فيه على أهداف هذه الورقة، وكلّف قيادة الجيش بالتحضير لخطوة حصر الأسلحة غير الشرعية من لبنانية وفلسطينية وتجميعها، ووضعها في عهدة القوى الشرعية من جيش وقوى أمنية مختلفة، وصولاً إلى شرطة البلدية، في مهلة زمنية حدودها نهاية العام الحالي، أو مطلع العام المقبل، كما تقول المعلومات المُستقاة من أكثر من مصدر وزاري.
وإذا كان القرار الحكومي الصريح، قد أتى نتيجة جولات طويلة من المفاوضات والإجتماعات في بيروت وفي عواصم القرار الغربية والعربية على امتداد الأشهر السبعة الماضية، فمن غير الممكن إهمال الجهود المحلية التي استنفدت كل المقاربات ووضعتها على مائدة النقاش مع "حزب الله"، سواء عبر حوار الوسطاء في الكواليس، أو اللقاءات المباشرة بين الموفدين عن المرجعيتين الأولى والثالثة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، أو مع مسؤولين من الحزب في محطات ومناسبات وطنية، أو عبر مستشاري الرؤساء الثلاثة الذين اجتمعوا أكثر من مرة، إنما من دون أي نتيجة عملية، باستثناء التسبّب باستياء "أصدقاء لبنان"، وفي مقدّمهم واشنطن وباريس كما الرياض، من تأجيل الخطوات الأساسية والمهمّة، المتصلة بمصير السلاح في مرحلة أولية، رغم كل التحذيرات من حساسية المرحلة.
وفي اعتقاد متابعين لمهمّة برّاك، فإن برمجة عملية تسليم الأسلحة للقوى الشرعية، ليست بنداً طارئاً في الورقة الأميركية، وأقرّته حكومة سلام، بل أقرّته الحكومة السابقة بتوافق كل مكوّناتها بما فيها "الثنائي الشيعي"، الذي فاوض بشكل منفرد الوسيط آموس هوكستين، للتوصل الى ما تمّ التفاهم عليه في 27 تشرين الثاني 2024.
على هذه الخلفية، يقول المتابعون، إن برّاك وأورتيغاس، سيستكملان ما كان قد بدأه هوكستين منذ عام، وذلك بعدما خسر الحزب "فرصةً ذهبية" لتحقيق ما يصبو إليه اليوم، عندما كان الموفدون يأتون إلى بيروت للتحاور معه، وقدّموا له أكثر من عرضٍ "سياسي" مقابل وقف "حرب إسناد غزة".
وإلى أن تنتهي قيادة الجيش من إعداد خطّتها في نهاية آب الجاري، تنحدر المواقف بتسرّع في اتجاهين متناقضين على طاولة الحكومة، فيما تنشدّ الأنظار إلى ما سيحمله برّاك في زيارته الرابعة، والتي لم تكن مقرّرة، وذلك على مستوى عودة الحديث عن خطوات إسرائيلية تبدأ بوقف الإعتداءات وعمليات الإغتيال، أو ما بات يُعرف اليوم بالضمانات التي تعرضها الإدارة الأميركية، وهي خطوة ضرورية لكي تنتقل الحكومة إلى ملف الإعمار وإعادة بناء ما هدّمه العدوان الإسرائيلي، كبندٍ أساسي أيضاً في ورقة برّاك.
والأبرز على هذا المستوى، يبقى في استعجال أي خطوة أميركية وعربية على حدٍ سواء، حيث تضمن واشنطن وقف العمليات العدائية الإسرائيلية، ما سيسمح بتحريك المؤتمرات الدولية لدعم لبنان، والتي تمّ تجميدها في العام الماضي، بانتظار حسم ملف السلاح، الذي باتت كلفته مرتفعة على لبنان واللبنانيين، بنتيجة الخلاف الداخلي حول دوره في المرحلة الجديدة التي دخلتها الساحة اللبنانية والمنطقة، والتي تضع لبنان أمام سيناريوهين لا ثالث لهما، فإمّا الإنفراج أو الإنفجار.