قبل شهر من الموعد النهائي لانسحاب القوات الأميركية من مناطق سيطرة الحكومة العراقية، تزداد المؤشرات على خلاف داخلي في واشنطن بشأن مستقبل هذا الانسحاب، إذ يقضي اتفاق العام الماضي بالإبقاء على جزء من القوات الأميركية في إقليم كردستان حتى أيلول 2026 لمتابعة مهمة مكافحة تنظيم داعش.
مصادر موثوقة أكدت لـ"العربية.نت/الحدث.نت" أن العسكريين الأميركيين وكبار موظفي وزارة الدفاع لا يرغبون بالانسحاب الكامل، معتبرين أن العراق "غير مستقر"، مع أنّ هذا لا يعني وجود اضطراب شامل، بل يشير إلى ضغوط متصاعدة تجعل الأوضاع عرضة للانفجار في الأشهر المقبلة. وترى المؤسسة العسكرية والاستخباراتية الأميركية أن العراق مهدد بفعل استمرار نشاط داعش، وتأثير الميليشيات المرتبطة بإيران، إضافة إلى التوتر بين بغداد وأربيل. كما يحضر العامل السوري بقوة، حيث لا يزال النظام الجديد في دمشق في مرحلة انتقالية، فيما تتواصل التحديات الأمنية شمالاً وشرقاً، وتتداخل مع الموقف التركي المعادي للأكراد و"قسد" التي تصنفها أنقرة تنظيماً إرهابياً.
على الرغم من هذه المخاطر، لم يتبدل القرار السياسي. فقد جدّد البنتاغون التأكيد أن مهمة التحالف داخل العراق ستنتهي بحلول أيلول 2025، فيما سيستمر الدعم لجهود هزيمة داعش في سوريا انطلاقاً من قواعد في كردستان حتى أيلول 2026. ويعكس هذا الموقف فجوة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب المتمسك بالانسحاب، وبين العسكريين الذين يخشون تكرار تجربة 2011 عندما خرجت القوات الأميركية ثم اضطرت للعودة سريعاً بعد انهيار الأوضاع.
الخلاف لا يقتصر على الوضع الأمني. فملفات حساسة كتهريب النفط والدولار إلى إيران تلقي بثقلها على العلاقة. واشنطن تؤكد أنها لا تريد للعراق أن يتحول إلى بوابة لتمويل طهران أو تسليح ميليشياتها، فيما تنفي الحكومة العراقية أي عمليات تهريب من موانئها، متهمة إقليم كردستان والقوى المنتشرة هناك بفتح قنوات للتهريب. وأوضح مسؤول حكومي رفيع أن "بغداد اتخذت كل الإجراءات الضرورية وتحدت واشنطن أن تثبت تهريب دولار واحد إلى إيران".
وفي موازاة هذه الاتهامات، تواصل الإدارة الأميركية التركيز على قانون الحشد. فقد أجرى وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو اتصالين برئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، معبراً عن "قلق بلاده الجدي" من مشروع القانون، محذراً من أن إقراره سيكرّس النفوذ الإيراني داخل مؤسسات الدولة ويمسّ بسيادة العراق.
تتفق كل الأطراف على أن العام 2026 سيحمل تحديات ثقيلة. فانسحاب القوات الأميركية قد يترك فراغاً سياسياً وأمنياً يفتح الباب أمام نزاعات إقليمية متشابكة، فيما ستكون الحكومة العراقية مضطرة لحماية الاستقرار بمفردها من دون غطاء خارجي، وسط بيئة إقليمية ودولية متوترة.