طرقات لبنان تتحوّل يوماً بعد يوم إلى فخاخ موت مفتوحة، تُهدّد حياة المواطنين بحوادث قاتلة وحفر مهترئة بلا رقيب. ومع اقتراب الشتاء، تتزايد المخاطر من سيول وأنفاق غارقة تكشف عجز التخطيط والصيانة. فيما تبقى الأسئلة معلّقة حول المسؤوليات والضرائب والوعود المؤجلة.
وعلى المستوى الرسمي، يوضح وزير الأشغال العامة والنقل فايز رسامني في حديث لـ "الديار" أن: "الأرقام ليست مجرّد إحصاءات، بل جرس إنذار يذكّرنا بأن حياة الناس على المحك. لذلك نحن أمام أزمة حقيقية لها أسباب واضحة: السرعة المفرطة، استخدام الهاتف أثناء القيادة، غياب الإشارات، إضافةً إلى تراكم معالجات عشوائية عبر سنوات جعلت الطرق أكثر خطورة".
ويشير: "لذلك وضعت الوزارة أولويات عاجلة تبدأ بإنارة الأنفاق، وترميم جسور المشاة، إذ يحتاج لبنان إلى أكثر من 120 جسراً جديداً، وإصلاح الحفر والمطبات الخطرة. لكن المعالجة الجذرية تتطلب إرادة سياسية وموارد مالية ضخمة، وقد طلبت من مجلس الوزراء اعتماداً يقارب 800 مليون دولار لإعادة تأهيل الطرق الرئيسية".
ويؤكد رسامني : "مسؤوليتي واضحة في ما يخصّ الطرق الدولية والرئيسية، وهي محور عمل الوزارة اليومي، فيما تتوزّع الأدوار الأخرى على البلديات والجهات المعنية. نحن نضع خطة لمعالجة ما هو ضمن نطاقنا، لكن شبكة الطرق في لبنان واسعة ومتداخلة، ولا يمكن لوزارة واحدة أن تغطيها بمفردها. لذا حين تعجز البلديات عن القيام بواجبها، نتدخّل بالحد الأدنى حفاظاً على السلامة العامة، لكن المعالجة الجذرية تحتاج إلى تكامل بين الوزارات والبلديات والأجهزة الأمنية. بهذه المقاربة فقط ننتقل من حلول ظرفية إلى سياسات مستدامة تعيد الثقة إلى المواطن".
ويكشف رسامني: "مع بداية أيلول نطلق حملة وطنية شاملة لتنظيف مجاري مياه الأمطار في مختلف المناطق الواقعة ضمن صلاحيات الوزارة، مع التركيز على النقاط التي شهدت فيضانات في مواسم سابقة. وبالتوازي، سنطلق حملة توعية للحد من رمي النفايات في الشوارع والمجاري، لأن الوقاية تبدأ من وعي المواطن. الهدف أن نُكمل الجهد الميداني بخطوة توعوية، فنضمن استمرارية الحل ونحدّ من الأزمات المتكرّرة في كل شتاء".
ويشدد على: "قناعتنا أنه لا نجاح لأي خطة إذا بقيت محصورة في وزارة واحدة. من هنا نحن نعمل على تحسين البنية التحتية، لكن التطبيق على الأرض يحتاج إلى تعاون الجميع. كما أن قوى الأمن الداخلي معنية بتطبيق القانون وضبط مخالفات السير، كذلك البلديات مطالبة بتنظيم بيئتها المحلية، أما الجمعيات المتخصصة فبدورها تساهم في التوعية ونشر ثقافة السلامة المرورية. عبر هذا التكامل نستطيع الانتقال من ردود الفعل إلى السياسات الوقائية المستدامة، فنحدّ من الحوادث ونحمي حياة الناس".
وعن سؤال "الديار" حول اعتراض المواطنين على دفع الرسوم والضرائب فيما الطرقات غير صالحة وتشكل خطراً مباشراً على حياتهم، يوضح رسامني أن: "الرسوم التي يدفعها المواطنون لا تذهب مباشرة إلى وزارة الأشغال، بل تدخل في الخزينة العامة، ثم يخصَّص جزء منها للوزارة ضمن الموازنة. والواقع أنّ ما يصلنا لا يغطي سوى جزء يسير من الحاجات الفعلية، وخصوصاً أنّ الطرق لم تخضع لصيانة جدّية منذ أكثر من عشر سنوات. وبالاستناد إلى ما تقدم، فإن هذا التراكم جعل ميزانية عام واحد غير كافية لمعالجة ما أهمل لعقد كامل، وبالتالي نحن بحاجة إلى خطط متعددة السنوات تواكب حجم الضرر. لذلك نعمل على الاستفادة القصوى من الموارد المحدودة، ونكثّف جهودنا للحصول على دعم إضافي".
في الخلاصة، قد تكون طرقات لبنان اليوم شاهداً صارخاً على عقودٍ من الإهمال وتتابع المشكلات، لكنها في الوقت نفسه تمثّل فرصة حقيقية أمام الحكومة الجديدة لتأكيد إرادتها بالتغيير. فالإصلاح لم يعد ترفاً أو شعاراً انتخابياً، بل واجب وطني يرتبط مباشرة بحق المواطن في الحياة الكريمة والآمنة. وإذا كانت الحكومات السابقة قد أهدرت الوقت والمال في دوامة الوعود، فإن العهد الحالي مطالب بتحويل اللحظة إلى محطة مفصلية: من إدارة ردود الأفعال إلى صناعة سياسات متينة، ومن ترقيع الإسفلت إلى بناء ثقة. فالتفاؤل مشروع إذا اقترن بالفعل، والرهان اليوم على أن تخرج الدولة من عباءة التبريرات إلى رحاب الإنجاز، فتكتب صفحة جديدة تُعيد للمواطن الأمل بأنّ طريق الغد ستكون أكثر أماناً وأقلّ وعورة.