الحكومة من جهتها قامت بخطوتها، إذ طرحت الملف أكثر من مرة، وطلبت من الجيش إعداد خطة واضحة للتنفيذ. غير أنّ هذه الخطوة بقيت يتيمة من دون أي غطاء فعلي: فلا مساعدات اقتصادية ومالية، ولا مشاريع تنموية، ولا تعزيز لقدرات الجيش، ولا حتى التزام من إسرائيل بوقف اعتداءاتها. هذه الهوة العميقة جعلت الحكومة تبدو وكأنها تتحرك في فراغ، محاصَرة بالضغوط الدولية وعاجزة عن إنتاج معادلة متوازنة.
في المقابل، يتزايد الالتفاف الشعبي في الشارع الشيعي حول سلاح المقاومة باعتباره خط الدفاع الوحيد في مواجهة إسرائيل. وهذا التماسك جعل من السلاح محور الصراع السياسي الداخلي، فيما تراجعت بقية الملفات من إصلاح وتنمية واقتصاد إلى الهامش، وكأنها خارج أولويات الدولة.
وبالتالي، تحوّل ملف السلاح إلى العنوان الوحيد الذي يستهلك النقاش الوطني، بينما تُترك قضايا اللبنانيين اليومية من كهرباء وصحة وتعليم ومعيشة في أسفل سلّم الاهتمامات.
وهنا تجد الحكومة نفسها أمام معادلة معقّدة: فإذا مضت في تنفيذ خطة الجيش بلا ضمانات دولية ودعم حقيقي، فإنها تخاطر بتفجير الداخل. وإذا تراجعت عن القرار، ستُتَّهم بالعجز أمام المجتمع الدولي.
من هنا، تبدو جلسة الجمعة محطة مفصلية، ليس فقط لعرض خطة الجيش، بل لرسم الاتجاه الذي سيسلكه لبنان في المرحلة المقبلة: فإما يتقدّم منطق الدولة ويترسّخ داخل المؤسسات، وإما يبقى السلاح ملفاً عالقاً يبتلع كل محاولات الإصلاح ويعيد لبنان إلى دوامة المراوحة.