نشرت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية تحليلاً موسعاً حول الصعود المتسارع لصناعة السلاح الإسرائيلية، معتبرة أنّها باتت "الكنز الأكبر" الذي تمتلكه تل أبيب، ومصدراً أساسياً لنفوذها العالمي حتى في ظل الأزمات السياسية والعسكرية.
التقرير أشار إلى أنّ إسرائيل انتقلت من كونها مصدّرة للأسلحة الخفيفة، مثل البندقية الشهيرة "عوزي"، إلى واحدة من أبرز مصدّري الأنظمة الدفاعية المتطورة، وعلى رأسها "القبة الحديدية" وما يرتبط بها من منظومات. ووفقاً للمجلة، فإنّ هذه الطفرة منحت إسرائيل قدرة على نسج علاقات استراتيجية مع قوى كبرى، بعضها بات يعتمد على التكنولوجيا الإسرائيلية في أمنه القومي، الأمر الذي يجعل من الصعب ممارسة ضغوط أو فرض عقوبات عليها رغم جرائمها المستمرة في غزة.
في عام 2024 وحده، بلغت قيمة صادرات السلاح الإسرائيلي 14.8 مليار دولار، لتحتل إسرائيل المرتبة الثامنة عالمياً، متقدمة على دول كبرى مثل كوريا الجنوبية وتركيا، وأكثر من نصف هذه العقود كانت مع دول أوروبية. من أبرز الصفقات عقد بقيمة 4.3 مليار دولار مع ألمانيا لشراء بطاريات "حيتس 3" لاعتراض الصواريخ الباليستية خارج الغلاف الجوي، إضافة إلى صفقات مع بريطانيا شملت الطائرات المسيّرة والصواريخ وأنظمة توجيه لمقاتلات حربية.
التقرير أوضح أنّ هذه العقود تمنح إسرائيل حصانة سياسية، إذ قال دبلوماسي إسرائيلي إنّها "تربط الدول بعلاقات طويلة الأمد معنا وتجعلها أقل ميلاً لفرض عقوبات فعلية، لأنّها استثمرت في أمنها من خلالنا". هذا التداخل جعل من قرارات أوروبية كإعلان بريطانيا وألمانيا قيوداً على بيع السلاح لإسرائيل خطوات رمزية أكثر منها عملية، إذ تظل تل أبيب بحاجة إلى مكونات أساسية مثل محركات ألمانية لدبابات "الميركافا" وأجزاء لطائرات "F-35" من بريطانيا.
المجلة لفتت إلى أنّ السلاح الإسرائيلي يلقى رواجاً كبيراً لأنّه "مجرَّب ميدانياً" في معارك حقيقية ضد حركات المقاومة الفلسطينية وحزب الله، وهو ما تعتبره الدول الغربية ميزة على الأسلحة الأوروبية المنافسة التي لا تزال على الورق. الولايات المتحدة نفسها اعتمدت صواريخ "سبايك" الإسرائيلية لمروحيات "الأباتشي"، وجهّزت أربع فرق مدرعة من دبابات "أبرامز" بنظام "معطف الريح" (Trophy) الإسرائيلي.
كما أورد التقرير حادثة تكشف التنافس مع فرنسا: حين انتقد الرئيس إيمانويل ماكرون شراء ألمانيا أنظمة إسرائيلية بدلاً من فرنسية-إيطالية، ردّ الألمان بأن إسرائيل تقدم منظومة جاهزة ومثبتة ميدانياً، بينما لا تزال الفرنسية على الورق. والمفارقة أنّ طائرة الرئاسة الفرنسية نفسها مجهزة بأنظمة حماية إسرائيلية.
ورغم هذه النجاحات، لم تستطع إسرائيل الانفكاك تماماً عن تداعيات حرب غزة، حيث منعت بريطانيا مسؤولين إسرائيليين من المشاركة في معارض السلاح لديها، فيما أخفت فرنسا الأجنحة الإسرائيلية خلف ستائر سوداء في معرض باريس الجوي. مسؤول إسرائيلي اعتبر أنّ هذه الخطوات تعكس "مخاوف تجارية فرنسية من المنافسة"، أكثر من كونها مواقف سياسية ضد الحرب.
الإيكونوميست أضافت أنّ الطموح الإسرائيلي يتركز على الدخول في مشروع "القبة الذهبية" الأميركي الذي يقوده دونالد ترامب، والمتوقع أن يضخ مليارات الدولارات في قطاع الصناعات الدفاعية. الرئيس التنفيذي للصناعات الجوية الإسرائيلية، بوعز ليفي، قال إنّ "الشركات الأميركية ستقف في طابور لعقد شراكات استراتيجية معنا"، رغم أنّ ترامب يشدد على أن يكون التصنيع في الأراضي الأميركية.
المجلة خلصت إلى أنّ هذه الاستراتيجية المعتمدة على الشراكات المحلية والتسويق "تحت الرادار" تمكّن إسرائيل من تعزيز حضورها الدولي حتى في فترات التوتر السياسي. لكن، ورغم كل النجاحات الاقتصادية، فإنّ حرب غزة تبقى عائقاً دائماً أمام محاولاتها لتجميل صورتها عالمياً، حيث تظل الاتهامات بانتهاك القانون الدولي تطاردها في كل المحافل.