رغم كل الشعارات التي رُفعت في بداية العهد عن الميثاقية والمناصفة وإعادة التوازن إلى مؤسسات الدولة، يتكرّس اليوم في كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية غبن مسيحي فاضح، وسط صمت مطبق من أركان العهد وغياب كامل لرقابة وزارة التربية. وما يحصل ليس مجرد تجاوز إداري، بل مسار ممنهج يطيح بالقوانين والأعراف ويحوّل الكلية إلى مساحة نفوذ حزبي وطائفي، في تناقض صارخ مع خطاب القسم الذي وعد بحماية الشراكة الوطنية.
هذا الواقع يزداد وضوحاً بعد تقرير مؤسسة "لابورا" عن حال المسيحيين في الوظائف القيادية في القطاع العام، حيث تبرز كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية مثالاً صارخاً على التهميش، بعدما تحوّلت إلى مركز نفوذ حزبي بكل ما للكلمة من معنى، مع وجود مدير مسيحي واحد فقط من أصل ستة فروع موزّعة في المحافظات.
أما على مستوى مراكز الأبحاث الثلاثة التابعة للكلية، فيتبوأ إدارتها جميعها أساتذة مسلمون. في المحصّلة، هناك مدير مسيحي واحد من أصل تسعة مدراء، ما يطرح علامات استفهام بشأن سياسة رئاسة الجامعة الإقصائية بحقّ المسيحيين، حيث تولّى رئيس الجامعة التعيين منفرداً، إمّا بالتكليف أو بالأصالة، في غياب مجلس الجامعة، وسط غياب كلي لرقابة وزير التربية والتعليم العالي.
من المراكز التي انتُزعت من المسيحيين بطريقة مخالفة لقوانين الجامعة اللبنانية، وتحديداً القانون 66، مديرية الفرع الفرنسي لكلية الحقوق (Filière francophone de droit). فقد منع رئيس الجامعة بسام بدران الأساتذة من الترشح بوجه المديرة الحالية المنتهية ولايتها، والتي تنتمي إلى الطائفة الشيعية والمدعومة شخصياً من رئيس مجلس النواب، لكي يمدّد لها خلافاً للقانون، علماً أنّ هذا الفرع منذ تأسيسه كان مخصصاً عرفاً للمسيحيين.
كما ارتكب رئيس الجامعة المخالفة نفسها بشأن مدير الفرع الثالث في طرابلس، حيث مدّد ولايته بسبب غياب مرشحين بوجهه بعد تهديدات، كونه قريب نائب حاكم مصرف لبنان. كذلك أبقى على رئيس مركز المعلوماتية القانونية في مركزه بالرغم من انتهاء ولايته، ومن دون أي مسوّغ قانوني، رغم تقديم ترشيحات وفق الأصول، فقط لإرضاء تيار "المستقبل". وتحت الضغط وبعد مراجعات عديدة، عيّن أستاذاً من الطائفة السنية لتكريس المركز لتيار "المستقبل"، في حين أنّ هذا الموقع مخصص أيضاً للمسيحيين.
كما عيّن بالتكليف مديراً من الطائفة السنية في الفرع الرابع (البقاع) المخصص أصلاً للمسيحيين. وحدها مديرية الفرع الثاني – جل الديب بقيت للمسيحيين، حيث أقصى رئيس الجامعة المرشحين البارزين لصالح دكتورة لا تستطيع إكمال ولايتها بسبب بلوغها سنّ التقاعد.
خلافاً للقانون، عيّن رئيس الجامعة الدكتور حبيب القزي عميداً للكلية بالتكليف في أيار 2023، رغم اعتراض المرجعيات والأحزاب المسيحية، وذلك بناءً على توصية من "عين التينة" ومباركة من الثنائي الشيعي والحزب التقدمي الاشتراكي.
وفي شباط الماضي، دعا رئيس الجامعة إلى انتخاب عمداء أصيلين بقرار مخالف للقانون. ومع ذلك، جرت الانتخابات حيث تمكّن عبر العمداء والمدراء المعيّنين بالتكليف من السيطرة على النتائج، وهو ما انعكس على كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية. فقد دعم، بتوصية من الثنائي الشيعي وتحالف مع تيار "المستقبل"، العميد الحالي د. القزي الذي شارك في الترشح والتصويت خلافاً للقانون. فحصل على أصوات أحد عشر مديراً وممثلاً من المسلمين وصوت مسيحي واحد، فيما نال مرشحان مسيحيان مقرّبان من الثنائي خمسة أصوات فقط من أصل ثلاثة عشر.
وبالتالي، حسم الثنائي الشيعي فوز د. القزي بعمادة الكلية خلافاً لرأي المرجعيات المسيحية، معطّلاً الدور الرقابي لوزيرة التربية التي سيفرض عليها تعيين الأسماء الفائزة في مجلس الوزراء. علماً أنّ العميد الحالي، بالتكليف والأصيل المرجّح تثبيته، ارتكب مخالفات عدّة إرضاء للثنائي الشيعي، من بينها قبول تسجيل موظفة شيعية من الفرع الأول في دبلوم القانون العام من دون امتحان، رغم عدم استيفائها شروط الترشح، وهو ملف أُثير إعلامياً من دون أن تتحرك رئاسة الجامعة لإبطاله.
الهيمنة الحزبية والطائفية على كلية الحقوق بهذا الشكل تفرض تدخلاً إدارياً ورقابياً من وزيرة التربية ومجلس الوزراء، لمنع تعيين أشخاص مشكوك بنزاهتهم، خصوصاً أنّ ترشيحهم جاء مخالفاً للقانون وبفعل فرض من الثنائي الشيعي بعيداً عن الميثاقية. هذه المعطيات تستدعي متابعة مباشرة من وزيرة التربية والقيمين على "العهد"، لإعادة الهوية الوطنية لهذه الكلية وتصويب الأداء الطائفي لرئيس الجامعة، حيث إن ما يحصل فيها مناقض تماماً لخطاب القسم.