في لحظة إقليمية مشحونة بالتوتر السياسي والعسكري، أعاد الإعلان الأميركي عن حزمة مساعدات أمنية للبنان بقيمة 14.2 مليون دولار فتح النقاش الداخلي والخارجي حول مستقبل سلاح حزب الله، وذلك في ظل تسريبات إعلامية إسرائيلية عن خطة ضخمة تحمل اسم "الدرع الذهبي" تهدف إلى نزعه عبر أدوات سياسية واقتصادية وإعلامية.
الموقف الرسمي اللبناني بدا أكثر وضوحاً هذه المرة، إذ شدّد على دعم الجيش ومنحه صلاحية مصادرة السلاح من أي جهة، فيما جاءت تصريحات الحزب ورسائل أمينه العام المساعد نعيم قاسم حاسمة برفض أي مسار يؤدي إلى تسليم السلاح خارج إطار الاستراتيجية الوطنية الدفاعية.
اللافت في خضم هذه التجاذبات كانت مداخلة الكاتب والباحث السياسي قاسم قصير عبر برنامج "التاسعة" على قناة "سكاي نيوز عربية"، حيث سعى إلى وضع التطورات الأخيرة في سياق أشمل يربط الداخل اللبناني بالتحولات الإقليمية المتسارعة.
وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أوضحت أن المساعدة المعلنة تهدف إلى دعم قدرات الجيش اللبناني في تفكيك مخابئ الأسلحة والبنى العسكرية للجماعات غير الحكومية، بما فيها حزب الله.
ورغم أن قيمة الحزمة تبدو متواضعة (14.2 مليون دولار)، إلا أن رمزيتها تكمن في توقيتها، إذ تأتي بعد اجتماع الحكومة اللبنانية الذي أقر خطة رسمية لحصر السلاح بيد الدولة، ووسط نقاش داخلي محتدم حول دور الجيش في المرحلة المقبلة.
في المقابل، نقلت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية تسريباً حول خطة أوسع أُطلق عليها اسم "الدرع الذهبي"، بقيمة 14 مليار دولار، وتتضمن: حوافز مالية تصل إلى 20 ألف دولار عن كل قطعة سلاح ثقيل و5 آلاف عن السلاح الفردي، مراكز مخصصة لجمع الأسلحة في الجنوب والبقاع، حملات إعلامية تهدف إلى تقليص نفوذ حزب الله، مشاريع إعادة إعمار واسعة في الجنوب اللبناني، حزب الله: السلاح خارج أي مساومة.
في هذا السياق، شدّد نعيم قاسم على أن واشنطن تسعى إلى "إهداء لبنان كاملة لإسرائيل"، مؤكداً أن محاولات نزع السلاح تتكرر "مرة عبر الدولة اللبنانية ومرة عبر العدوان".
وجدد رفض الحزب لأي مقايضة أو إغراءات، مشيراً إلى أن الاستراتيجية الدفاعية الوطنية هي الإطار الوحيد المقبول للنقاش. هذا الموقف يعكس إصرار الحزب على وضع سقف سياسي وأيديولوجي يصعب تجاوزه، ما يجعل أي محاولة لفرض نزع السلاح بالقوة أو عبر العروض المالية خياراً غير واقعي.
وأبلغ الرئيس جوزاف عون الموفد الفرنسي جان إيف لودريان أن الجيش لديه "أوامر صارمة بمصادرة الأسلحة من أي جهة"، مؤكداً عزم الدولة على المضي قدماً بخطة حصر السلاح.
الرئاسة اللبنانية اعتبرت أن أي ضغط فرنسي أو أميركي على إسرائيل لوقف اعتداءاتها سيساعد الجيش على استكمال مهمته. من جانبه، أكد لودريان استمرار الدعم الفرنسي للبنان، مع التشديد على أهمية انعقاد مؤتمر دولي لدعم الجيش والاقتصاد وإعادة الإعمار، لافتاً إلى أن تعزيز قدرات المؤسسة العسكرية أولوية في هذه المرحلة الدقيقة.
في تحليله، أشار قاسم قصير إلى أن الجيش وضع، بحسب بعض المعلومات، فترة ثلاثة أشهر لإنهاء أي وجود مسلح جنوب الليطاني. لكنه استبعد نجاح هذه المهمة بالقوة ما لم تُرفق بضمانات أو مكاسب للبنان من الجانب الأميركي أو الإسرائيلي.
كما أوضح أن ما ورد في تصريحات نعيم قاسم ومواقف رئيس مجلس النواب نبيه بري يعكس محاولة لإيجاد توازن بين رفض الحزب لتسليم سلاحه، وبين الدفع باتجاه استراتيجية أمن وطني شاملة. إلا أن قصير استبعد أن تنجح الدولة اللبنانية في المضي بخطة نزع السلاح إذا لم ترافقها ضغوط أميركية وفرنسية فاعلة على إسرائيل.
ورأى الباحث أن لبنان أمام أربعة أشهر حاسمة قد تتأثر بالتحولات الإقليمية، خصوصاً مع التصعيد الإسرائيلي تجاه قطر وسوريا وتهديداته المتزايدة تجاه تركيا، ما يجعل الملف اللبناني جزءاً من مشهد إقليمي أوسع.
قصير لفت إلى أن حزب الله يطرح مقاربة بديلة تقوم على أن ما تبقى من سلاحه يمكن أن يكون موضوعاً لنقاش حول كيفية الاستفادة منه دفاعياً ضد أي اعتداء إسرائيلي، شرط أن لا يكون الحزب المبادر باستخدامه. هذا الطرح يفتح نقاشاً حول تحويل السلاح من عبء داخلي إلى أداة ردع مشروطة، لكنه يبقى بعيداً عن فكرة تسليمه بالكامل.
قصير شدّد على أن لبنان ليس معزولاً عن التطورات، بل يتأثر مباشرة بما يجري في سوريا وقطر وتركيا. فاستهداف إسرائيل لقطر – التي لعبت دور الوسيط في ملفات إقليمية – وتوسيعها دائرة التهديدات، يضع الملف اللبناني ضمن خريطة صراع إقليمي مفتوح على احتمالات كثيرة.
من خلال تصريحات نعيم قاسم والرئيس اللبناني وتحليل قاسم قصير، يتضح أن لبنان يقف عند مفترق طرق حساس:
الجيش يمتلك قراراً رسمياً بمصادرة السلاح، لكن قدراته تبقى محدودة من دون دعم وضمانات.
حزب الله يرفض أي صيغة لنزع السلاح خارج الاستراتيجية الوطنية الدفاعية، مع استعداد مشروط للحوار حول استخدامه دفاعياً.
المجتمع الدولي، عبر فرنسا وأميركا، يحاول تعزيز دور الجيش، لكن النتائج تبقى مرهونة بمدى القدرة على لجم إسرائيل.
المعادلة الزمنية (3–4 أشهر) تجعل المرحلة المقبلة اختباراً حقيقياً لمستقبل الدولة والسلاح في لبنان.
ويبقى السؤال الذي طرحه قاسم قصير معبّراً عن المأزق اللبناني، "كيف يمكن أن نحمي لبنان من الاعتداءات الإسرائيلية، إذا جرى نزع السلاح بالقوة أو بالإغراءات الاقتصادية؟"
سؤالٌ لا يحدد فقط مستقبل حزب الله، بل أيضاً موقع لبنان في الخريطة الإقليمية الجديدة.