الأخبار المهمة

ليبانون ديبايت
الثلاثاء 16 أيلول 2025 - 07:24 ليبانون ديبايت
ليبانون ديبايت

الزبائنية ومخالفات مجلس الإنماء والإعمار في الترفيعات... يفضحها رأي مجلس الخدمة المدنية

الزبائنية ومخالفات مجلس الإنماء والإعمار في الترفيعات... يفضحها رأي مجلس الخدمة المدنية

"ليبانون ديبايت"


من جديد يفتح ملف مجلس الإنماء والإعمار، الباب على مصراعيه أمام تساؤلات مشروعة حول آليات التوظيف والترفيع في الدولة اللبنانية، ومدى إلتزام المؤسسات العامة بالقوانين والأنظمة المرعية. فقد أظهر كتاب مجلس الخدمة المدنية الأخير، مخالفة واضحة في الإجراءات التي إعتمدها مجلس الإنماء والإعمار، لترفيع عدد من موظفيه من المجموعة السادسة إلى المجموعة السابعة، مبيّنًا أن هذه الممارسات تضرب مبدأ تكافؤ الفرص عرض الحائط، وتعكس نهجًا زبائنيًا متجذرًا في الإدارة اللبنانية.


خلفية القضية


القضية بدأت حين أقدم مجلس الإنماء والإعمار، على اتخاذ القرار رقم ٢٠٢٥/١٤٣/م بتاريخ ١١ آب ٢٠٢٥، لتأليف لجنة تتولى تنظيم مباراة "خاصة" لترفيع خمسة موظفين إلى المجموعة السابعة، بينهم رؤساء إدارات ومنسق تمويل. المجلس إعتبر أن الترفيع الداخلي لا يدخل ضمن نطاق المادة ٥٤ من القانون رقم ٥٨٣/٢٠٠٤، الذي أخضع جميع التعيينات والتعاقدات، في المؤسسات العامة والمجالس لآلية المباراة التي يجريها مجلس الخدمة المدنية.

في المقابل، أصرّ مجلس الخدمة المدنية على أن الترفيع هو بمثابة تعيين جديد في الوظيفة المستحدثة، ما يفرض إخضاعه للمباراة وفق الأصول، وبالتالي إعتبر الإجراءات المُتبعة من قبل مجلس الإنماء والإعمار مخالفة صريحة للقانون.


الإشكالية القانونية


النقطة الجوهرية تكمن في تفسير العلاقة بين "الترفيع" و"التعيين". فمجلس الإنماء والإعمار يحاول الفصل بينهما لتبرير إجراءاته، في حين أن مجلس الخدمة المدنية، إستنادًا إلى الإجتهادات والآراء القانونية، يؤكد أن إشغال وظيفة جديدة يفترض تعيينًا صريحًا حتى لو تم عبر الترفيع. وعليه، فإن تجاهل المادة ٥٤ من القانون ٥٨٣/٢٠٠٤، التي تفرض المباراة كشرط إلزامي، يشكل إلتفافًا خطيرًا على القانون وخرقًا لمبدأ الشرعية الإدارية.


الزبائنية في الممارسة


ما جرى في مجلس الإنماء والإعمار لا يمكن قراءته بمعزل عن منطق المحاصصة والزبائنية. إذ إن حصر الترفيع بلجنة داخلية يفتح الباب أمام التوظيف السياسي وتثبيت الولاءات، بدل أن تكون المباريات خاضعة لمجلس الخدمة المدنية الذي يُفترض أن يشكل ضمانة للشفافية وتكافؤ الفرص. إن إصرار المجلس على إعتماد هذه الآلية يكشف إرادة صريحة في إبقاء اليد العليا للسلطة التنفيذية على التوظيفات، بعيدًا عن أي رقابة مستقلة.


أمثلة وسوابق


من اللافت أن مجلس الخدمة المدنية إستشهد بسابقة مهمة، حين أجرى بنفسه مباراة محصورة لموظفي الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي لتعيين مدراء، على الرغم من أن الضمان لا يخضع لرقابته المباشرة. هذا المثال يؤكد أن المادة ٥٤ واجبة التطبيق حتى في المؤسسات التي تملك أنظمة خاصة، ما يعني أن مجلس الإنماء والإعمار ليس استثناءً، وأن حججه القانونية غير مؤسسة.

مخالفة الأصول الإجرائية

إلى جانب المخالفة الجوهرية، يبرز خلل آخر يتعلق بآلية إتخاذ القرارات داخل مكتب المجلس. فالقرار رقم ٢٠٢٤/١٠٢/م الذي أُستُند إليه في قضية سابقة صدر عن مكتب غير مكتمل النصاب (رئيس وأحد نائبيه فقط)، في حين أن المادة ٦ من المرسوم ١٠٩٤١/٢٠٠٣ تشترط حضور ثلاثة أعضاء لصحة إنعقاده. هذا التجاوز يُظهر استهتارًا بالحد الأدنى من الأصول الإجرائية، ومحاولة لفرض وقائع إدارية بقرارات مشوبة بالعيب الشكلي والموضوعي.


إنعكاسات المخالفات


إن إستمرار هذه الممارسات لا يضرب فقط مبدأ سيادة القانون، بل يساهم في إضعاف المؤسسات ويكرّس حالة من اللاعدالة بين الموظفين. فبدل أن يكون الترفيع مبنيًا على الكفاءة والتأهيل العلمي والمهني، يتحول إلى أداة مكافأة للتابعين والمقرّبين. وهذا ما يكرّس في وعي الرأي العام صورة الإدارة كأداة بيد السلطة السياسية، لا كجهاز محايد لخدمة الدولة والمواطن.


موقف مجلس الوزراء


اللافت أن مجلس الوزراء سبق أن أكد، عبر التعميم رقم ٢٠٠٧/١٦ وقرارات لاحقة، على وجوب التقيد بأحكام المادة ٥٤ من القانون ٥٨٣/٢٠٠٤، ورفض مشاريع استثناء بعض المؤسسات (مثل بورصة بيروت) من رقابة مجلس الخدمة المدنية. وبالتالي، فإن تمسك مجلس الإنماء والإعمار بخلاف ذلك يمثل خروجًا على قرارات مجلس الوزراء نفسه، بما يشكل مخالفة مزدوجة للقانون وللسياسات الحكومية المعلنة.




بين "تصريف الأعمال" وإستغلال الثغرات


حتى عندما لجأ المجلس سابقًا إلى تبرير قراراته تحت عنوان "تصريف الأعمال"، فإن ذلك لا يصمد قانونيًا. فالمبدأ المستقر في الفقه والإجتهاد الإداري، هو أن تصريف الأعمال لا يجيز إدخال تعديلات على الأوضاع الوظيفية، أو ترتيب أعباء مالية جديدة. وبالتالي، فإن أي محاولة لتبرير الترفيعات عبر هذا المسلك تظل مردودة، بل تكشف نية مبيتة لاستغلال الظروف الاستثنائية لتثبيت وقائع غير مشروعة.


البعد السياسي والاقتصادي


لا يمكن إغفال أن هذه الممارسات تأتي في ظل أزمة مالية وإدارية خانقة في لبنان، حيث يُفترض أن تكون الأولوية لتكريس الشفافية والإصلاح، لا لإعادة إنتاج منظومة المحاصصة. فمجلس الإنماء والإعمار، الذي يفترض أن يكون واجهة للتخطيط والتنمية، يتحول عبر هذه السياسات إلى أداة لتثبيت النفوذ السياسي وتوزيع الغنائم الوظيفية، بما يفقده صدقيته أمام الرأي العام والجهات المانحة الدولية على حد سواء.


إن ملف الترفيعات في مجلس الإنماء والإعمار يكشف بوضوح عمق الأزمة البنيوية التي تعاني منها الإدارة اللبنانية: هيمنة السياسي على الإداري، وتغليب الولاء على الكفاءة، وإلتفاف المؤسسات على القوانين عبر أنظمة خاصة أو ذرائع واهية.

الحل يكمن في إعادة الإعتبار لدور مجلس الخدمة المدنية كمرجعية وحيدة في التعيين والترفيع، وتحصين المباريات من التدخلات السياسية. أما إستمرار النهج الحالي فلن يؤدي إلا إلى المزيد من تقويض المؤسسات، وتكريس ثقافة الزبائنية التي تهدد أسس الدولة الحديثة.


بهذا المعنى، تصبح القضية أبعد من مجرد نزاع إداري حول مباراة أو ترفيع، لتطرح سؤالًا جوهريًا: هل تريد الدولة اللبنانية بناء مؤسسات محكومة بالقانون، أم أنها مستمرة في رهنها لصفقات السلطة والمحاصصة؟.



تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة