"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
قبل نحو أسبوع، وتحديداً في 10 أيلول الجاري، وقّعت وزارة الحرب الأميركية على حزمة مساعدات أمنية مخصّصة للجيش اللبناني بقيمة 14.2 مليون دولار. وبحسب ما ورد على موقع الوزارة، فإن الحزمة جاءت باقتراح من الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
وتظهر الوثيقة المنشورة على موقع الوزارة الإلكتروني أن الحزمة ليست تحويلاً مالياً نقدياً على شكل مساعدة، بل لتغطية احتياجات الجيش اللبناني من مواد مخصصة لتفجير الذخائر. وتوّفر الحزمة، عبوات ناسفة بأشكال ووظائف مختلفة، بالاضافة إلى توابعها من أسلاك وكبسولات كهربائية وغير كهربائية، وصواعق مؤقتة وفتائل، وغيرها. وهي مخصّصة لتمكين الجيش من تدمير وإزالة الذخائر غير المنفجرة، وتحديداً تلك الموجودة في مخازن تابعة لحزب الله في منطقة جنوب الليطاني.
في هذا الإطار، علم "ليبانون ديبايت" أن الجيش اللبناني عانى خلال الفترة الأخيرة من نقص حاد في المواد المستخدمة لتدمير الأسلحة المصادرة جنوبي الليطاني. واضطرت الولايات المتحدة، بناءً على طلب الحكومة اللبنانية، إلى الاستعانة بتركيا لتوفير هذه المواد من إحدى المخازن العسكرية الأميركية هناك. وعمل السفير الأميركي في تركيا والمبعوث إلى لبنان، توم براك، على ترتيب الإجراءات التي كفلت نقل هذه المواد بأقصى سرعة ممكنة إلى لبنان، بالتنسيق مع الجانب التركي.
وبناءً على ذلك، يتبين أن المساعدة التي اقترحتها الرئاسة الأميركية ووقّعت عليها وزارة الحرب الأميركية هدفها تبرير عمليات شراء هذه الكميات - وليس تقديم سيولة نقدية لمصلحة الجيش اللبناني. وهذا يخالف الاحتفالية الساذجة التي دأب عليها البعض في لبنان بوصف المساعدات الأميركية إلى الجيش بأنها مساعدات ذات طابع سياسي ولمساعدة السلطات الجديدة على بسط سيادتها وتوفير أقصى دعم لها!
المساعدة، التي تكاد تشبه "الشحادة" إلى حد كبير أكثر من كونها مساعدة، كان يمكن توفيرها من أموال الشعب اللبناني وتقليل العناء عن الجيش والحكومة! كان يمكن أن تُخصَم قيمة الـ14.2 مليون دولار من مبلغ 11 مليار دولار الذي يتبجّح مصرف لبنان بأنه زاد على احتياطي البلاد وأصبح على هذا النحو خلال الشهر الجاري في إرتفاع واضح مقارنة بالأشهر المنصرمة، أو أن تُحوّل وزارة المال المبلغ إلى حسابات وزارة الدفاع كما سبق أن حوّلت 40 مليون دولار إلى وزارة الأشغال العامة لتمويل إستكمال استملاكات في محيط أوتوستراد جونية والشروع في أعمال توسعة الأوتوستراد. كما كان يمكن تأمين المبلغ بالطريقة نفسها التي جرى عبرها تأمين مبالغ صيانة طريق مطار رفيق الحريري الدولي أو للطرقات التي يسلكها عادة زوار القصر الجمهوري من الشخصيات الخارجية الرسمية وغير الرسمية.
قصة الـ14.2 مليون دولار التي "شحدتها" الدولة على ظهر المؤسسة العسكرية تشبه إلى حدٍّ ما مبلغ 300 مليون دولار الذي سبق أن حاولت الدولة "شحادته" من الولايات المتحدة، حين إشتغلوا بالترويج لمشروع نقل الكهرباء والغاز من مصر والأردن عبر سوريا- وهو مبلغ كان يوازي يومها مجموع عمليتي تحويل خلال يومين على منصة "صيرفة" الشهيرة.
وخلافاً لكل المزاعم المسوَّقة داخلياً والاحتفالات المبالغ فيها بمساعدات توفرها واشنطن، تؤكد معلومات "ليبانون ديبايت" أن موازنة وزارة الدفاع الأميركية المخصّصة لعام 2026 والتي سيبدأ درسها قريباً لم ترصد أي مساعدات استثنائية للجيش اللبناني، وهذا يتعارض تماماً مع من يروّج له داخلياً من مساعدات سنوية أميركية بقيمة مليار دولار للجيش.
أيضاً، لا يُمكن إعتبار مبلغ الـ14.2 مليون دولار أنه يدخل ضمن مساعدات الـ190 مليون دولار التي زعم الموفد الفرنسي جان إيف لودريان حين زار بيروت أخيراً أن واشنطن بصدد تقديمها إلى الدولة اللبنانية، ولا يمت لها بصلة. ولم يؤكد أي مصدر نية واشنطن تقديم دعم مالي إضافي للمؤسسة العسكرية بهذا الحجم أو غيره. علماً أن الزيارات العسكرية الأخيرة التي قام بها ضباط أميركيون وأعضاء مجلس شيوخ إلى لبنان، وعلى رأسهم قائد القيادة الوسطى في الجيش الأميركي، الأدميرال براد كوبر، لم تتطرق مع أي من المسؤولين اللبنانيين إلى مساعدات مالية استثنائية مخصصة للجيش لدعمه في مهمته جنوب الليطاني أو في أماكن أخرى. بل ما فُهم محلياً أن الإدارة الأميركية تقول للبنانيين: "جودوا بالموجود".
والقصة الأكبر أن مبلغ الـ14.2 مليون دولار هو فاتحة لأموال "مشحودة" تحت اسم الجيش؛ حيث تريد حكومة "الاستقلال والإصلاح"، التي تسعى لإنقاذ لبنان من براثن سلاح حزب الله، أن تمول جيش بلادها من أموال خارجية، على رأسها الولايات المتحدة. والحكومة نفسها، اللاهثة وراء إصلاح طريق مطار رفيق الحريري الدولي للاستعراض أمام الخارج لا سيما دول الخليج، تبحث عن أموال لتطويع الجنود وتوفير ملابس ومعاشات واستشفاء لهم من جيوب غيرها ليس بالضرورة للدفاع عن الأراضي اللبنانية بل لأجل البحث عن أسلحة حزب الله.