لا تضع نايفة النظارات لتحجب الشمس، بل لتقي زوارها من منظر عينيها، أو كما تقول بنفسها: "لم يعد في عينيّ لا البياض ولا حتى شبكة". وتضيف: "أنه لم تعد الشبكة التي تصل بين القرنية والدماغ موجودة".
بعد عام على تفجير إسرائيل أجهزة الاتصال – البيجر – في لبنان، التقت "بي بي سي" بناجية من التفجير، وبعدد من المسؤولين، لاستذكار ما حدث في ذلك النهار المأساوي، والوقوف عند التداعيات التي وصفها خبراء حقوقيون بأنها قد ترقى إلى جرائم حرب.
في صالون منزلها، تحتفظ نايفة بصورة قديمة لها قبل الهجوم: عينان واسعتان، ابتسامة خجولة، وأصابع مضمومة إلى حقيبتها. أما اليوم، فقد فقدت تلك الأصابع، وغطّت الندوب والتشوهات ملامح وجهها، حتى بدا الاختلاف بين الصورة ووجهها الحالي صادماً لدرجة أنّ الصحافي سأل والدتها إن كانت الصورة تعود فعلاً لابنتها.
نايفة، ابنة التاسعة والعشرين، كانت تعمل مشرفة على قسم التعقيم في مستشفى سان جورج التابع لمؤسسات حزب الله الطبية. يومها، في 17 أيلول 2024، انفجر جهاز البيجر الذي تسلّمته قبل عشرين يوماً فقط، بينما كانت تحاول قراءة رسالة وردت إليه. لم تتذكر سوى لحظة تقريب الجهاز من عينيها، قبل أن ينفجر ويتسبّب بفقدان بصرها وتشويه يديها ووجهها.
"كان عملي يتطلب التعامل مع كافة أقسام المستشفى"، تروي نايفة. "فعندما يريد أحدهم التواصل معي، كان يرسل رسالة استدعاء على البيجر وأنا أتصل برقم المتصل من أقرب هاتف داخلي". لكن ذلك الروتين انقلب إلى كابوس في لحظة واحدة.
الانفجارات طاولت آلاف الأجهزة في لبنان وسوريا، ما أدى إلى استشهاد 37 شخصاً وإصابة نحو 3000 آخرين، بينهم أطباء وممرضون وطلاب، بالإضافة إلى إصابات مباشرة في العيون وصلت إلى 500 حالة استئصال أو فقدان للبصر، وفق تقديرات الأمم المتحدة.
وقد تبنّى لاحقاً رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مسؤولية العملية، فيما وصف خبراء أمميون الهجوم بأنه "انتهاك مرعب للقانون الدولي". وأكدت هيومن رايتس ووتش أنّ التفجيرات "عشوائية وغير قانونية"، ودعت إلى تحقيق دولي مستقل.
أما في لبنان، فقد رافق الهجوم ذهول رسمي وشعبي، وأكد وزير الداخلية السابق بسام مولوي أنّ حتى القوى الأمنية علّقت استخدام أجهزة "الووكي توكي" بعد انفجارها، في مشهد عكس حجم الاختراق الأمني الذي تعرّض له البلد.
رغم إصابتها البالغة، تواصل نايفة العلاج الطويل بمساعدة والدتها، فيما تكفّلت "مؤسسة الجريح" التابعة لحزب الله بنفقات الاستشفاء. تقول إنها وجدت عزاءها في الإيمان: "عقيدتنا"، تجيب بحزم عندما تُسأل عن سر تقبّلها لواقعها. وبرغم الجراح، ما زالت تحتفظ بابتسامة دافئة، وتضحك بعفوية حين تقول عن المستشفى الذي عملت فيه: "كلا… تخيّلي! لم يعودوا يستخدمون البيجر".