وصلت الحكومة الإسرائيلية إلى مستوى غير مسبوق من التصريحات المثيرة للجدل، إذ شبّه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الوضع الحالي بتاريخ أثينا وإسبرطة، فيما تجاوز وزير المالية بتسلئيل سموتريتش الحدود بوصفه قطاع غزة بأنه "كنز عقاري لا يقدر بثمن يمكن تقاسمه بين الولايات المتحدة وإسرائيل"، في تجاهل صارخ للمعاناة الفلسطينية.
هذه التصريحات تكشف تناقضاً حاداً بين الواقع العسكري والسياسي من جهة، والضغوط الاقتصادية والدبلوماسية من جهة أخرى. فمع أن الزخم الدولي يتزايد للحد من التصعيد، إلا أن إسرائيل ماضية في خططها العسكرية، ما يثير تساؤلات حول الأساس الذي يمكن أن تُبنى عليه أي مفاوضات مستقبلية مع حركة حماس.
بحسب هيئة البث الإسرائيلية، لا تستبعد حماس العودة إلى طاولة المفاوضات، لكنها تستعد لطرح شروط أشد صرامة مما كان مطروحاً في جولات سابقة. مصادر فلسطينية أكدت أيضاً استعداد الحركة لبحث وقف الحرب، ولكن بصيغة جديدة ومختلفة.
في هذا الإطار، نقلت الولايات المتحدة رسائل عبر قطر تفيد برغبة إسرائيل في التوصل إلى اتفاق، فيما شددت جهات أمنية إسرائيلية على ضرورة الحفاظ على مسار تفاوضي بالتوازي مع العمليات العسكرية.
ميدانياً، أعلنت إسرائيل تعميق عملياتها البرية في مدينة غزة ضمن ما يعرف بـ"عربات جدعون 2". غير أن صحيفة معاريف حذرت من أن إقامة نظام حكم عسكري دائم في القطاع قد تتحول إلى مغامرة باهظة التكاليف سياسياً واقتصادياً.
وقال مسؤول عسكري رفيع إن أي إدارة عسكرية ستضطر لتأمين الغذاء والصحة والتعليم والأمن، ما يجعل مستقبل إسرائيل الاقتصادي رهينة طويلة الأمد. ورغم ذلك، تؤكد المؤسسة العسكرية أنها لن تتراجع قبل تحقيق أهدافها، وعلى رأسها استعادة الرهائن والقضاء على الجماعات المسلحة.
تقديرات الأجهزة الأمنية تشير إلى وجود نحو 5 آلاف مقاتل محصنين داخل مدينة غزة، نصفهم يتبعون لواء المدينة ومدربون تدريباً عالياً. ويأتي قائد اللواء، عز الدين الحداد، على رأس قائمة المطلوبين.
ورغم نبرة القوة في خطابات نتنياهو، يرى مراقبون أن القلق من "الغرق في رمال غزة المتحركة" حاضر بقوة، خصوصاً مع احتمال لجوء حماس لاستخدام الأسرى كدروع بشرية، وهو ما دفع نتنياهو لتجديد تحذيره من المساس بهم.
في حديثه لقناة "التاسعة"، شدد مندي صفدي، رئيس مركز صفدي للدبلوماسية وعضو في حزب الليكود، على أن "هدف إسرائيل ليس الحرب بل تحرير المخطوفين". وأكد أن النافذة الدبلوماسية تستغل للضغط على قيادة حماس للإفراج عن الرهائن، بالتوازي مع العمليات العسكرية.
وأوضح صفدي أن إطلاق "عربات جدعون 2" جاء نتيجة مراوغة حماس المستمرة، نافياً أن يكون وزير المالية سموتريتش هو من يحدد سياسة الدولة: "هو وزير واحد بين 30 وزيراً... الحكومة هي من ترسم الاستراتيجيات".
رأى صفدي أن أي تصعيد جديد من حماس سيقابل برد أقوى من رد السابع من تشرين الأول/أكتوبر، مشيراً إلى أن الأزمة تؤثر بشكل مباشر على دول الجوار أكثر مما تؤثر على إسرائيل، مستشهداً بدور الحوثيين في اليمن.
وختم بالتأكيد أن "عربات جدعون لن تفشل"، مشدداً على أن الجيش مستعد لأي تطور عسكري وأن الاستراتيجية المزدوجة ـ العسكرية والدبلوماسية ـ ستبقى الإطار الناظم لتحركات إسرائيل في غزة.
في ظل استمرار معركة غزة، تواجه إسرائيل تحدياً مزدوجاً: تحقيق أهدافها العسكرية وتحرير المخطوفين، مع تجنب الانهيار الاقتصادي والسياسي. وبين "عربات جدعون 2" وتصريحات مثيرة للجدل من وزرائها، تبقى المعركة مفتوحة على احتمالات غير محسومة، فيما ستحدد كل خطوة مقبلة شكل المنطقة لسنوات قادمة.