نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية مقالاً بقلم بوعاز، يعكس العقلية التوسعية التي لا تزال تهيمن على جزء كبير من النخبة السياسية والفكرية في إسرائيل. المقال لا يكتفي بالدعوة إلى "القضاء على حماس" أو فرض سيطرة أمنية على غزة، بل يتجاوز ذلك إلى تبرير التهجير الجماعي واستعادة السيطرة على الأرض بوصفها "الشرط الحاسم" لأي انتصار. هذه اللغة الفجّة تكشف أن الكاتب ينظر إلى المأساة الفلسطينية باعتبارها فرصة لتثبيت مشروع استيطاني قديم، بعيدًا عن أي حساب إنساني أو سياسي واقعي.
في مقاله، يصرّ الكاتب على أن كل الإنجازات العسكرية ضد حماس ستبقى بلا قيمة ما لم يتحقق "نصر واضح" عبر السيطرة على الأرض، معتبراً أن تحرير الأسرى أو إسقاط قيادة حماس أهداف متواضعة لا توازي "الفاجعة" التي يكررها في مقاله. بهذا الطرح، يحاول إقناع القارئ الإسرائيلي بأن معيار الانتصار ليس وقف الدماء أو استعادة الاستقرار، بل انتزاع الأرض نفسها وتفريغها من سكانها.
ويقدّم الكاتب مرافعة مطوّلة ضد ما يسميه "حملة الكراهية لمفهوم السيطرة على الأرض" داخل المجتمع الإسرائيلي، منتقداً حتى اللغة التي تتجنّب مصطلح "الأرض" لصالح تعابير إدارية باردة. لكنه يغفل عن أن هذه الحساسية مرتبطة بتجربة طويلة من الاحتلال والقمع، ويُظهر استخفافًا صارخًا بما تعنيه هذه السياسات للشعوب التي تعيش تحتها.
الأخطر أن المقال يشرعن — بلا مواربة — تهجير سكان غزة "لأغراض الحماية" كما يسميها، وهدم البنى التحتية، وتدمير الأحياء السكنية التي يُعتقد أن أنفاق المقاتلين تمر تحتها. وهو ما يترجم عملياً إلى دعوة لمزيد من الكارثة الإنسانية تحت غطاء "ضرورات أمنية".
وفي استدعاء لتجارب سابقة، يقدّم الكاتب أمثلة عن إجراءات عسكرية نفّذتها إسرائيل في الماضي لاقتلاع "الإرهاب من جذوره"، ليبرر اليوم أن "الحسم العسكري على الأرض" يجب أن يترافق مع "أهداف استراتيجية طويلة المدى"، أي القضاء على البنى التحتية الفلسطينية وربط ذلك بهدف وطني يعتبر غزة جزءاً من "شاطئ النقب". بهذا يعيد الكاتب إنتاج خطاب استيطاني قديم يُحوّل الجغرافيا إلى ذريعة للتوسع ويهمّش أي اعتبارات إنسانية أو قانونية.
يختم الكاتب مقاله بالقول إن السيطرة على الأرض هي الرافعة الحاسمة لأي نصر، وإلا فإن الانتصار سيكون هشاً وقابلاً للانهيار. لكن هذه الخلاصة — التي قد تبدو منطقية في السياق الإسرائيلي الداخلي — تكشف جوهر المشكلة: تحويل الصراع إلى مشروع دائم للسيطرة والضمّ، وإعادة إنتاج سياسات أدّت أصلًا إلى استمرار الحرب والعنف في المنطقة.