فاللقاءات التي عقدها الأمير مع كبار المسؤولين اللبنانيين حملت أكثر من رسالة سياسية، أبرزها أنّ الرياض اختارت أن تضع ثقلها مجدداً خلف الدولة اللبنانية لا خلف الأحزاب والتيارات، في خطوة وُصفت بأنّها إعادة تموضع استراتيجية، قد تعيد رسم المشهد الداخلي وتمنح بيروت جرعة دعم هي بأمسّ الحاجة إليها.
فقد اتّسمت اللقاءات التي عقدها الأمير السعودي يزيد بن فرحان مع المسؤولين اللبنانيين بجرعة عالية من الإيجابية، حيث عبّر عن ارتياح واضح إزاء المسار الذي سلكته السلطة اللبنانية في الآونة الأخيرة، ولا سيما ما يتعلق بمسألة حصرية السلاح كمدخل أساسي لقيام دولة فاعلة وقادرة في لبنان.
الأمير بن فرحان لم يكتفِ بالتشديد على هذه النقطة الجوهرية، بل عكس في مواقفه نوعاً من الرضى الدولي والعربي على الخطوات التي اتخذها لبنان ممثلاً برئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلام.
واللافت أنّ خطابه خلال هذه اللقاءات اتّسم بإيجابية مطلقة تجاه هذه القيادات الثلاث، مع إشادة علنية بدورهم في تثبيت الاستقرار السياسي وإعادة تفعيل مؤسسات الدولة، وقد نال الرئيس بري حصة الأسد في الإشادة السعودية الصادرة عن لسان بن فرحان.
في المقابل، حرص بن فرحان على التأكيد أنّ العلاقة السعودية ستكون مع الدولة اللبنانية حصراً، لا مع أي حزب أو تيار سياسي، وأن المملكة تقف على مسافة واحدة من جميع المكونات. وهذا التموضع الجديد يحمل رسالة واضحة أن كل ما يتعلق بالدعم والمساعدات والاستثمارات والمشاريع السعودية في لبنان سيمر عبر مؤسسات الدولة الشرعية، لا عبر قنوات جانبية.
بهذا الموقف، تعلن الرياض صراحةً أنّ بوابة عودتها إلى لبنان لن تكون عبر الاصطفافات أو الحسابات السياسية الضيقة، بل عبر إعادة الاعتبار للدولة كمرجعية وحيدة قادرة على إدارة المساعدات الخارجية وتنظيم العلاقات الثنائية. وهو ما قد يشكّل نقطة تحول في مسار العلاقة بين البلدين، ويضع المسؤولية على عاتق المؤسسات اللبنانية لاستثمار هذا المناخ الإيجابي.