شهدت الساحة الدولية تصاعدًا ملحوظًا في التوتر بين حلف شمال الأطلسي (الناتو) وروسيا، على خلفية اتهامات متكررة لموسكو بانتهاك المجال الجوي لدول الحلف، بالتوازي مع تكثيف الهجمات بالطائرات المسيّرة داخل أوكرانيا.
هذه التطورات أعادت طرح تساؤلات حول مدى اقتراب مواجهة مباشرة بين الطرفين، وإمكانية تفادي سيناريو التصعيد العسكري المفتوح، وحتى النووي.
اتهمت إستونيا روسيا بإرسال ثلاث مقاتلات من طراز ميغ-31 اخترقت أجواء خليج فنلندا لمدة 12 دقيقة. وجاء ذلك بالتزامن مع نشاط مكثف لمراقبة أجواء دول البلطيق من قبل إيطاليا والسويد وفنلندا، إضافة إلى أول طلعة دفاع جوي للناتو فوق بولندا نفذتها بريطانيا ضمن مهمة "الحارس الشرقي".
وزارة الدفاع البولندية وصفت الحادث بأنه "أخطر انتهاك للمجال الجوي للحلف"، مؤكدة أن أي تصعيد روسي سيُواجه بالتزام أميركي كامل بالدفاع عن بولندا ودول البلطيق، وفق تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
في المقابل، اعتبر البيت الأبيض أن الانتهاك قد يكون غير مقصود، بينما رأى الكرملين أن الغرب يسعى لتصعيد الأزمة وتحميل موسكو المسؤولية، متجاهلًا – بحسب قوله – الجهود الروسية للتوصل إلى تسوية سلمية في أوكرانيا.
أعلن الناتو في 12 أيلول عن إطلاق عملية "الحارس الشرقي" بقيادة الأمين العام مارك روته، عقب اختراق طائرات مسيّرة روسية الأجواء البولندية. وتهدف العملية إلى تعزيز الدفاعات الجوية على الجناح الشرقي عبر تدريبات مشتركة ودوريات مكثفة.
البرلمان البولندي أشار إلى أن الخطوة تأتي التزامًا بالمادة الرابعة من ميثاق الناتو، فيما حذّر محللون من أن العملية قد تتحوّل إلى مقدمة لمواجهة محتملة إذا استمرت الانتهاكات.
وقال الكاتب والمحلل السياسي يفغيني سيدروف لقناة "سكاي نيوز عربية": "لم تقدّم الدول الغربية أي دليل ملموس على وقوع هذه الاختراقات، وحتى إذا حدثت فإن لروسيا الحق بالرد على التهديدات الواضحة ضدها، وخصوصًا استهداف موسكو".
وأضاف أن دول البلطيق تقود "هجمة استراتيجية ضد روسيا" دون إدراك عواقبها على الأمن الإقليمي. ورأى أن التصعيد الحالي لا يزال في نطاق الرسائل الرمزية، بعيدًا عن مواجهة مباشرة قد تصل إلى النووي.
وبشأن المناورات الروسية-البيلاروسية، أوضح سيدروف أنها دورية وتُجرى كل أربع سنوات، وتم تقليص حجمها ونقلها بعيدًا عن الحدود البولندية، ما يؤكد – وفق رأيه – عدم وجود نوايا عدوانية.
يبقى الملف الأوكراني المحرك الرئيسي للتوتر. ترى موسكو أن الدعم العسكري الغربي لكييف تهديد مباشر لأمنها القومي، بينما يعتبر الغرب أن هذا الدعم يحدّ من النفوذ الروسي ويعيد التوازن الاستراتيجي في المنطقة.
ويشير خبراء إلى أن الطرفين لا يرغبان بمواجهة مباشرة، لكن خطر التصعيد يظل قائمًا بفعل الحسابات الخاطئة والتدريبات المكثفة والانتهاكات المتبادلة.
بين الانتهاكات الجوية الروسية، والردود الأطلسية، والتحركات العسكرية على الجناح الشرقي، يقف المشهد الأوروبي عند مفترق دقيق. فبينما تواصل روسيا التحذير من مغبة التصعيد وتتمسك بالحوار، يصرّ الناتو على تعزيز دفاعاته. الشرارة الصغيرة قد تكون كافية لإشعال مواجهة أكبر ذات أبعاد استراتيجية وعسكرية غير مسبوقة.