فالطالبة التي تفوّقت في امتحان الدخول إلى الجامعة اللبنانية – الفنار منذ سنوات، لم يُسمح لها بمتابعة مسيرتها الجامعية هناك، بعدما جرى استبدالها بطالبة أخرى، فقط لأن النظام يفرض تخصيص نسبة معينة من المقاعد لغير المسيحيين، وهو ما جعل طلبها مرفوضًا بحجّة "الإخلال بالتوازن الطائفي".
إلا أنّ ملاك لم تستسلم، فتقدّمت إلى جامعات في فرنسا، حيث أثبتت تفوّقها منذ اللحظة الأولى. وبحسب ما نقلته إحدى عضوات لجنة التحكيم، فإن علامات الطالبة المشرّفة جعلت اللجنة "تتمسّك بها لجدّيتها ونباهتها".
اليوم، وبعد سنوات من المثابرة، عَلِمَ "ليبانون ديبايت" أن ملاك تخرّجت من إحدى الجامعات الفرنسية متفوّقة ليس فقط على زملائها اللبنانيين، بل أيضًا متخطية الفرنسيين والمغاربة والجزائريين، حاصدة العلامات القصوى وعروض عمل رسمية في فرنسا نتيجة تميّزها الأكاديمي اللافت.

قصة ملاك ليست استثناءً، بل صورة متكرّرة عن واقع التعليم العالي في لبنان، حيث تتحوّل الجامعة الوطنية إلى رهينة لنظام المحاصصة، بدل أن تكون منبراً للجدارة. قرار إقصاء طالبة متفوقة عن مقعدها المستحق لأنها "تُغيّر في الكوتا الطائفية" يشكّل دليلاً إضافيًا على أن الطائفية باتت أقوى من العلم في لبنان.
اليوم، يخسر لبنان ملاك كما خسر مئات الكفاءات قبلها، فيما تربحها الغربة، حيث الدولة هناك تنظر إلى القدرات لا إلى الهوية. أما هنا، فما زال الخطاب الرسمي يكرّر أنّنا "أصبحنا دولة"، بينما الحقيقة تُختصر في أننا مجرد دولة طائفية عاجزة عن حماية المتفوّقين واستثمارهم.
قصة ملاك هي صفعة في وجه الجامعة اللبنانية والدولة برمّتها، ودليل على أن ما يُسمّى "العدالة الأكاديمية" في لبنان لا يزال أسير المحاصصة. وما لم تتحوّل الجامعة إلى مؤسسة تحكمها الجدارة والكفاءة، ستبقى قصص الهجرة تتكرّر، ويستمر نزيف العقول، تاركًا خلفه وطنًا يختنق بالطائفية ويلفظ أبناؤه.
هل يمكن أن تتغيّر هذه المعادلة يومًا لاستعادة نخبة لبنان، أم أن الكفاءات ستظل تهاجر بحثًا عن بيئة تحترم العلم والجدارة، فيما الدولة مستمرة في دمغ نفسها بالعجز والطائفية؟