المحلية

ليبانون ديبايت
الأربعاء 24 أيلول 2025 - 12:13 ليبانون ديبايت
ليبانون ديبايت

نحن أمام مرحلة خطيرة حقًا... ماذا وراء اعتراف أوروبا بدولة فلسطين؟

نحن أمام مرحلة خطيرة حقًا... ماذا وراء اعتراف أوروبا بدولة فلسطين؟

"ليبانون ديبايت"

في ظل تصاعد الأحداث في منطقة الشرق الأوسط وتطورات الحرب في غزة، تتزايد مواقف الدول الأوروبية بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية. في هذا السياق، يُسلّط الباحث والكاتب السياسي الدكتور آصف ملحم الضوء على خلفيات هذا التحول الأوروبي، ويقدّم قراءة معمّقة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني في إطار الصراع الدولي الأوسع، مع التركيز على الدور الأميركي والإسرائيلي في المنطقة.

ويوضح الدكتور آصف ملحم في حديث إلى "ليبانون ديبايت" أن اتساع الاعتراف بالدولة الفلسطينية وانضمام بعض الدول الأوروبية إلى هذا المسار له سببان أو خلفيتان:


الخلفية الأولى مرتبطة مباشرة بالحرب في غزة، حيث تجاوزت إسرائيل كل الأعراف والمواثيق والمعايير الإنسانية في الحروب، فارتكبت مجازر يومية بحق السكان، وتمارس حرب تجويع وحرب إبادة تقريبًا. لذلك أصبحت هذه الدول أمام مسؤولية أخلاقية لا يمكنها تجاهلها. أوروبا دائمًا كانت تدافع عن الإنسان وما شابه ذلك، وبالتالي هي تسقط أمام هذه المجازر التي شهدها العالم. لذلك هناك مسؤولية أخلاقية أمام الدول الأوروبية.


أما الخلفية الثانية، وهي الأهم، فهي الشعور الأوروبي المتنامي بعدم الثقة بالولايات المتحدة الأمريكية، أي وجود انفصام ومحاولة لبناء استقلالية أوروبية عن الولايات المتحدة التي تُعتبر الداعم الرئيسي لإسرائيل كما نعلم جميعًا. وبذلك، تجد الدول الأوروبية نفسها في مأزق بسبب موافقتها الدائمة على سياسات واشنطن التي تفكر فقط في مصالحها الخاصة.


ويشير الدكتور ملحم إلى أن هذا الشعور لم يظهر فقط بعد حرب غزة، بل هو حصيلة تراكمات كثيرة في العقود الماضية، قد اشتدت مع بداية الأزمة الأوكرانية، ومن ثم حرب غزة، والرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة على أوروبا. لذلك أصبح هناك تيار قوي في أوروبا يؤمن بأن الولايات المتحدة ليست حليفًا موثوقًا، ولا بد من بناء استقلال السياسة الأوروبية عن السياسة الأمريكية.


بالحديث عن تبعات هذا الاعتراف، يؤكد أن الاعتراف الواسع بالدولة الفلسطينية هو نصر أخلاقي وسياسي للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني الذي يعاني منذ أكثر من سبعين عامًا من الاحتلال. ولكن، يجب أن ننتبه إلى أن هذه الدول غير قادرة على تحويل هذا الاعتراف إلى سياسة عملية، فهي غير قادرة على الضغط على إسرائيل بأي شكل من الأشكال، ولا على اتخاذ قرار بشأن حرب ضدها أو إيقافها عسكريًا. وهذا واضح جدًا، لأن الدول الأوروبية تعتمد بشكل كبير على الولايات المتحدة في تسليحها، بنسبة تصل إلى 80%.


لذا، الحديث عن استقلال أوروبا عن الولايات المتحدة لا يزال مبكرًا، وأوروبا غير قادرة على تطبيق قرارها عمليًا بالضغط على إسرائيل.


ومن الناحية السياسية، يعتبر أن أوروبا غير قادرة على دعم السلطة الفلسطينية أو الدولة الفلسطينية لتكون دولة قابلة للحياة من حيث الحدود والتمثيل الدبلوماسي، مشيرًا إلى أن إسرائيل تتحكم بكل مفاصل وجود السلطة الفلسطينية، وتتوسع في الضفة الغربية وقطاع غزة كما تشاء، وتمنع الاعتراف بالدولة الفلسطينية. عمليًا، أوروبا عاجزة عن تحويل هذا القرار إلى مسار عملي يؤدي إلى قيام الدولة الفلسطينية.


نقطة مهمة يشير إليها، وهي أنه لا يجب عزل ملف الصراع في غزة عن الصراع الدولي. طوفان الأقصى استُغل أمريكيًا، ويعتقد الدكتور ملحم أن طوفان الأقصى لم يكن خرقًا أمنيًا من قبل حماس بقدر ما كان تضليلًا استخباراتيًا. الاستخبارات تعمل بطرق لا يُخبر بها أحد، وقادرة على تضليل أي جهة، بما في ذلك حماس، عن طريق عملاء وكالات استخبارات، مما دفع الأمور إلى هذا المصير.


ويقول: "نلاحظ أن الولايات المتحدة سارعت بدون أي تحقيقات إلى تشبيه طوفان الأقصى بهجمات 11 سبتمبر، وكأنها تهديد وجودي لإسرائيل والمنطقة كلها. ومن هنا نلاحظ أن إسرائيل تقصف دول جماعات بدون مبرر واضح. قد يكون لها مبرر في قصف إيران، سوريا، حزب الله في لبنان، الحشد الشعبي في العراق، الحوثيين في اليمن، ولكن ما مبرر قصف قطر؟"


ويوضح أن الولايات المتحدة بدأت تستخدم إسرائيل كخزان استراتيجي وورقة كبرى في المنطقة. إسرائيل موجودة للحفاظ على عدم الاستقرار في المنطقة العربية، ومنع قيام أي كيان قادر على مجاراة الولايات المتحدة.


ويلاحظ أنه إذا أخذنا حرب غزة في سياق الصراع الدولي بين الشرق والغرب، بين الكتلة التي تقودها روسيا والصين والدول الأخرى في منظومات شنغهاي وبريكس، فإن إسرائيل أطلقت يدها بالكامل وبدأت تهدد مصر وتركيا، وكأن الشرق الأوسط أصبح ساحة تصفية حساب بين هذه القوى لرسم ملامح النظام الدولي الجديد.


وعكس ما يراه البعض، فإن الدكتور ملحم يجد أن الولايات المتحدة تدفع إسرائيل إلى مزيد من المغامرات والعبث في المنطقة، وهذا يدل على تخبط في الإدارة الأمريكية، وعدم وجود رؤية استراتيجية واضحة لإدارة الصراعات، كأنها تلقي بورقتها الأقوى على إسرائيل وتقول لها: يجب أن تتحملي العواقب والنتائج.


ويعتبر أن هذا التخبط له تراكمات كثيرة نتيجة سياسة خاطئة في العقود الماضية في المنطقة، وعلاقاتها مع الصين وروسيا، وحرب أوكرانيا، إضافة إلى أزمات اقتصادية داخل الولايات المتحدة وتراجع الثقة بها على مستوى العالم.


ويرى أن الولايات المتحدة تستمر بنفس الآليات القديمة، تحريض النزاعات والصراعات لابتزاز دول، لكن مع إسرائيل الأمر مختلف، فهي استُهلكت كل النماذج الإعلامية عنها ولم يعد أحد يصدقها. وكأن الولايات المتحدة تدفع بهذه الورقة الاستراتيجية إلى الجحيم.


ويذكّر أنه في عام 2006، عندما شهدت إسرائيل عدوانًا على لبنان، قالت كوندوليزا رايس بوضوح إننا نشهد مخاض ولادة شرق أوسط جديد، وإسرائيل ردّت بأنها ليست أداة بيد الولايات المتحدة، وعليها أن تحافظ على مصالحها. واليوم، أصبح واضحًا أن إسرائيل قاعدة عسكرية متقدمة وأداة للولايات المتحدة في المنطقة.


ويشرح أهمية منطقة الشرق الأوسط الجغرافية، فهي منطقة حيوية للغاية، مطلة على البحار والممرات التي تربط آسيا، أفريقيا، وأوروبا، مما يفسر الدعم الأمريكي الكبير لإسرائيل وسياساتها الخارجية.


ويؤكد الدكتور ملحم أننا نمر بمرحلة خطيرة، وإسرائيل قد توجه هجومها باتجاهات أخرى، مثل لبنان أو الضفة الغربية. القصف الأخير على قطر كان عملية جسّ نبض، وقد تعيد استهداف أماكن أخرى في سوريا، لبنان، الأردن، أو إيران، لافتًا إلى أن نتنياهو اتهم قطر بأنها ملجأ للمعلومات حول عملية طوفان الأقصى لكنها لا تقدمها، وقال إن التفاهم مع المملكة المتحدة أسهل منها لأن قطر حليف للولايات المتحدة.


ويخلص ملحم، إلى توصيف الحال بأننا أمام مرحلة خطيرة حقًا.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة