أسباب تقلص المبيعات في هذا السوق عديدة، أولها فقدان الليرة اللبنانية لأكثر من 95 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار الأميركي، ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة، بما في ذلك السلع المُعمّرة، مما جعل عملية شرائها صعبة جداً على المواطنين، ولا سيما موظفي القطاع العام الذين لا يتجاوز راتبهم حالياً 400 دولار. كما أدى التضخم المفرط وارتفاع أسعار السلع الأساسية إلى تدهور القدرة الشرائية للمواطنين بشكل كبير، سواء الفقراء أو الطبقة المتوسطة، مما قلل من الطلب على السلع المُعمّرة. ناهيك عن أن لبنان يعاني من انكماش حاد في الاقتصاد، مع تراجع في الناتج المحلي الإجمالي، مما يؤثر سلباً على مختلف القطاعات الاقتصادية، وخاصة القطاع الخاص.
بناءً على ما سبق، تواجه الشركات والمؤسسات التي تبيع السلع المُعمّرة تحديات كبيرة تهدّد استمراريتها، حيث شهدت إيراداتها تراجعاً حاداً، مما أدى إلى إقفال العديد من فروعها وتقليص عدد موظفيها، ما يعني زيادة في نسب البطالة وتراجع استيراد المواد الخام والآلات.
رمال: سوق السلع المُعمّرة لا يستفيد من المغتربين بشكل كبير
يؤكد ممثل القطاع التجاري في المجلس الاقتصادي-الاجتماعي عدنان رمال لـ”ليبانون ديبايت”، أن “مبيعات المؤسسات التي تبيع السلع المُعمّرة (مفروشات وأدوات كهربائية ومنزلية) انخفضت بنسبة لا تقل عن 50 بالمئة”، موضحاً أنه “قبل 2019 كان الحد الأدنى للأجور هو 450 دولار، ويصل إلى 600 دولار ما بين مواصلات وتعويضات عائلية، بالإضافة إلى أن نسبة التضخم كانت أقل، وكان المعدل الوسطي لدخل الفرد السنوي في لبنان 12 ألف دولار، وحجم الاقتصاد 55 مليار دولار”.
يضيف: “حالياً دخل الفرد السنوي لا يتعدى 5000 دولار، وهذا ما انعكس مباشرة على القدرة الشرائية للمواطن. كما أن غياب التسليفات المصرفية يترجم مباشرة بغياب التسليفات من المؤسسات التجارية للأفراد – الزبائن، فهذا الجزء من التعامل اختفى كلياً بعد الأزمة. وحالياً هذه المؤسسات تتكل على البيوعات النقدية، لذلك انخفضت نسبة مبيعاتها بحدود 50 بالمئة، لأن الطبقة المتوسطة التي كانت تستطيع الشراء “كاش” قبل الأزمة، اختفت بعد الأزمة، وحالياً كثير من هذه المؤسسات انخفضت مبيعاتها إلى ما دون النصف مقارنة بالعامين 2019 و2018”.
يوضح رمال أن “المغتربين والسياح يحرّكون سوق المطاعم والألبسة، أما سوق السلع المُعمّرة فلا يستفيد من حركة المغتربين في الأسواق بنسبة كبيرة. وحركتهم هذا الصيف عادت بالفائدة على القطاعات التجارية (السلع المعمّرة) ما بين 15 إلى 25 بالمئة على الأكثر”، لافتاً إلى أن “المواطن ذو المدخول العادي كان يحرك السوق قبل الأزمة، من خلال تقسيط المبالغ المتوجبة عليه، واليوم هو معدوم ولم يعد زبوناً يراهن عليه من قبل المؤسسات التجارية، والطبقة المتوسطة تقلّص دخلها”.
ويضيف أن “ما يدفع هذه المؤسسات إلى الاستمرار، هو أن معظمها مؤسسات عائلية عمدت إلى تخفيف مصاريفها عبر تقليص فروعها وتقليل عدد موظفيها وإلغاء أو تخفيض مصاريف الإعلانات والرعاية والمصاريف التشغيلية بطريقة مدروسة، لأن الحصيلة السنوية لهذه المؤسسات إما أن مردودها على قدر مصروفها، أو أنها تخسر بنسب ضئيلة، لكنها تقرر البقاء لأن أكثرها لها تاريخ في السوق”.