بحسب مصادر سياسية فإن بارّاك قالها بصراحة إن الأميركيين يسلحون الجيش، ولكن ليس ليقاتل الجيش إسرائيل، ما يعني أن هذه السردية التي لطالما حملها خصوم السلاح في لبنان قد سقطت: فلا سلاح لمواجهة إسرائيل، ولا قدرات للجيش لكي يحمي أرضه من أي اعتداء أو خطر إسرائيلي.
في جملة واحدة، أسقط بارّاك صورة الجيش كقوة سيادية يفترض أن تمتلك استقلالية القرار والسلاح، وحوّله إلى أداة محصورة بخدمة أجندة خارجية. فكلامه ضرب لعقيدة الجيش اللبنانية أولاً، أما حديثه عن أن لبنان “لا يفعل شيئاً” بموضوع حصرية السلاح، فحمل ما يشبه الحكم بالإعدام على الدولة اللبنانية، وهو الذي كان يتغنى بالحكومة وأدائها عندما كان ممسكاً بالملف اللبناني.
تكشف المصادر عبر “ليبانون ديبايت” أن كلام بارّاك لا يمكن أن يمر مرور الكرام، ولو أن بعض المرجعيات السياسية تعتبره كلاماً ناجماً عن خلافات داخل الإدارة الأميركية أكثر مما هو موجّه للبنانيين، خصوصاً بعدما تمّ إبعاده عن الملف اللبناني. ولكن بالنسبة للمصادر فإن كلام بارّاك يعبر عن الحقيقة التي لطالما كان ينبه بشأنها فريق المقاومة عندما يؤكد أن الأميركيين لا يريدون جيشاً قوياً بل حرس حدود لإسرائيل، وأقصى طموحهم هو إنشاء جيش يواجه المقاومة عسكرياً في الداخل اللبناني. لذلك هم لا يطلبون من المقاومة سوى تسليم سلاحها الثقيل الذي يشكل خطراً على إسرائيل.
سردية لبنانية أخرى ضربها بارّاك بكلامه حول مسألة السلام، ففي الوقت الذي يتحدث خصوم السلاح عن إمكانية السلام مع إسرائيل بعد تسليم السلاح، كان الرجل واضحاً بأن السلام مجرد وهم، والمطلوب هو الخضوع. وبالتالي حتى لو سلم حزب الله سلاحه ستطلب إسرائيل خضوع لبنان لها، وهو تماماً ما تحاول فعله في كل المنطقة بالقوة العسكرية انطلاقاً من سوريا.
بالمقابل، هناك من يقول إن سردية السلاح كقوة للبنان سقطت أيضاً خلال الحرب الماضية، وبحال سلمنا جدلاً بذلك تسأل المصادر: لماذا كل هذا الضغط الدولي والإسرائيلي من أجل التخلص من السلاح؟ وبأفضل الأحوال، ألا يجب على اللبنانيين أن يتبنوا سردية جديدة انطلاقاً من السؤال الأساسي “كيف نحمي لبنان”، بدلاً من البحث عن كيفية إرضاء أميركا؟
الخطورة ليست فقط في مضمون ما قاله بارّاك، بل في توقيته. فلبنان يعيش لحظة هشّة سياسياً واقتصادياً، والبلد يرزح تحت ضغط حرب استنزاف على حدوده الجنوبية. في هذا السياق، يظهر الموفد الأميركي وكأنه يلوّح بعصا مزدوجة: حرمان الجيش من الدعم إذا لم يُلبِّ المطالب، وتحميل الحكومة تهمة “اللا فعل” لتبرير أي تدخل أو وصاية لاحقة.
للرد على كلام بارّاك، ترى المصادر السياسية البارزة أن المطلوب أولاً تثبيت خطاب سيادي موحّد يرفض ربط تسليح الجيش بأجندات سياسية. فالجيش جيش لبنان، لا جيش أميركا ولا شرطي لإسرائيل. ثانياً، إعادة النقاش إلى أصل الصراع: الاحتلال، الانتهاكات، وحق لبنان في الدفاع عن أرضه. وثالثاً، تعزيز موقف لبنان بدبلوماسية هجومية تضع المجتمع الدولي أمام تناقضاته: فهل الهدف فعلاً حماية لبنان أم حماية إسرائيل؟ وأخيراً، ضرورة تعزيز التنسيق بين الدولة والمقاومة في خطاب مشترك أساسه البحث في استراتيجية الأمن الوطني، لأن اللعب على ثنائية “جيش - حزب الله” هو الفخ الذي يحاول بارّاك تكريسه.