كشفت تقارير أنّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية نجحت في الحصول على تقنية شبحية أميركية عام 2011 وطوّرت منذ ذلك الحين ما لا يقل عن خمسة نماذج خطيرة من الطائرات المسيّرة الانتحارية والهجومية والاستطلاعية، استُخدمت ضد إسرائيل منذ عام 2018. ويشرح المحلل العسكري نيتسان سادن، المعروف باسم "القبطان"، لماذا لم تُطلق هذه المسيّرات علينا بأعداد كبيرة في الحرب الحالية، وماذا قد يحدث إذا انضمت فجأة إلى ساحة القتال.

في الشرق الأوسط هناك دولتان تشغّلان منصات شبحية في المعارك. الأولى هي إسرائيل التي تمتلك عشرات مقاتلات F-35، درة صناعة الطيران الأميركية، تُلقي القنابل من هنا حتى اليمن وطهران على مدار الساعة، أما الدولة الثانية فهي إيران التي تملك منصات شبحية حقيقية استُخدمت في القتال وتستطيع تنفيذ الكثير من المهام.

قبل الخوض في التفاصيل، يجب التمييز بين الشبحية الحقيقية والشبحية المزعومة. إيران عرضت في السابق طائرات مقاتلة مثل "كاهاير 313" وادّعت أنها مقاتلة شبحية من الطراز الرفيع، لكن تبيّن لاحقاً أنّها مجرد هيكل من الألياف الزجاجية لأغراض دعائية أو خداع استخباري، حتى شاشات قمرة القيادة كانت مأخوذة من مسجلات سيارات. لكن إيران لا تملك فقط منصات مزيفة، بل أيضاً نماذج شبحية حقيقية استُخدمت في المعارك.

في 4 كانون الأول 2011 خرجت مسيّرة شبحية أميركية من طراز RQ-170 Sentinel عن مسارها خلال مهمة تجريبية في أفغانستان، وحلّقت إلى داخل إيران حتى هبطت قرب قاعدة كشمار. وبحسب طهران وتقديرات غربية، فإن الحرس الثوري نفّذ تشويشاً إلكترونياً قطع الاتصال بين المسيّرة ومُشغليها، ما أجبرها على تفعيل بروتوكول العودة التلقائية للقاعدة. الحرس كان يعرف أنّ الطائرة تعتمد على هوائيات أرضية للتوجيه، فبث إشاراته الخاصة وجذب المنصة إلى أراضيه.

إيران تملك تقليداً طويلاً في "الهندسة العكسية"، ومن خلال هذه العملية تعلّمت كيف تُبنى الطائرة الشبحية. النموذج الأول كان "شاهد 171 سيمرغ"، نسخة مطابقة للـ Sentinel، وهي منصة استطلاع بعيدة المدى تحمل رادار SAR يولد صوراً ثلاثية الأبعاد ويبلغ مداها 2200 كيلومتر، ما يسمح لها بالتجسس على أي دولة في الشرق الأوسط.

من "شاهد 171" وُلدت عدة نماذج جديدة، وتم التعرف حتى الآن على سلسلتين بأربعة نماذج إضافية بمحركات وأدوار مختلفة. السلسلة الأولى صُغرت بنسبة 40%، وتشمل منصات طولها 2.7 متر وباع جناح يبلغ 7.3 متر. النموذج الأبرز فيها هو "شاهد 191" المزود بمحرك نفاث صغير نسخة محلية عن محرك TJ100 التشيكي، قادر على حمل أربعة صواريخ موجهة بصرياً أو قنابل انزلاقية، وتوجد مشاهد تظهر قمرة أسلحة داخلية صغيرة. يبلغ مداه 500 كيلومتر فقط، وهو قصير نسبياً ويُعزى ذلك إلى محدودية قدرات الاتصال، إذ يتم تشغيله عن بعد.

إلى جانبه يوجد "شاهد 181" المخصص للاستطلاع بمحرّك مكبسي اقتصادي يضاعف المدى. في آذار 2021 أُرسلت منصتان من هذا النوع نحو إسرائيل لكنهما كُشفتا وأسقطتهما مقاتلات F-35 في أول إسقاط عالمي من هذا الطراز. أظهر تحليل المسار أنّ هدفهما كان الضفة الغربية، وعُثر في الحطام على مسدسات وذخائر ومواد دعائية.

هذان النموذجان يتمتعان بمرونة كبيرة حيث يمكن إطلاقهما من سيارات بيك-أب بسرعة على طريق مستقيم من دون الحاجة لمدرج، ويهبطان باستخدام زلاجات قابلة للنشر بدلاً من العجلات.
السلسلة الثانية صُغرت بنسبة 60% وتشمل نموذجين بطول 1.7 متر وباع جناح 5.2 متر ووزن 170–200 كغ. "شاهد 161" النفاث هو مسيّرة انتحارية شبحية بملاحة عبر الأقمار الاصطناعية وحسّاس بصري يتيح ضرب أهداف متحركة بدقة، لكنه بمدى لا يتجاوز 300 كيلومتر. يعتقد أنه صُمم لتهديد السفن قرب إيران، بما في ذلك ناقلات النفط. أما "شاهد 141" المكبسي فمخصّص للاستطلاع ويبلغ مداه أكثر من 1300 كيلومتر، وقد أسقطته مروحية أباتشي إسرائيلية عام 2018 أثناء قدومه من سوريا، وعُرض حطامه في مؤتمر ميونيخ.

رغم هذا التنوع، لم تُستخدم هذه المسيّرات بكثافة. باستثناء محاولات محدودة لاختراق الأجواء الإسرائيلية أو اختبارات في سوريا، هناك استخدام مؤكد واحد آخر في تشرين الأول 2021 حين هاجمت سبع منصات "شاهد 191" مواقع لتنظيم داعش شرق سوريا، ويُعتقد أنّه كان اختباراً عملياتياً.

السؤال هو: لماذا لا تُستخدم هذه المسيّرات الشبحية الانتحارية بشكل متكرر في الحرب الحالية؟ هناك خمسة تفسيرات ممكنة: أولاً الكلفة، فالمسيّرة الانتحارية التقليدية تكلف نحو 20 ألف دولار بمكوّنات مدنية بسيطة، بينما الشبحية تحتاج مواد خاصة وأنظمة متقدمة تُنتج ببطء، حيث لم يُصنّع سوى نحو 50 "شاهد 191" منذ 2017 مقابل آلاف المسيّرات العادية. ثانياً الرغبة في إخفاء بصمتها الرادارية ومنع الخصوم من دراستها. ثالثاً تفضيل استخدامها في مهام الاستطلاع الاستراتيجية بدلاً من التفجير الانتحاري. رابعاً الاحتفاظ بها لمواجهة خصوم آخرين كالسعودية ودول الخليج التي قد لا تملك دفاعات متقدمة مثل إسرائيل. خامساً السبب التجاري، إذ تعد هذه التكنولوجيا منتجاً استراتيجياً للتصدير، خصوصاً لروسيا والهند، ما يجعل طهران حريصة على تجنّب أي فشل قد يضر بسمعتها كسوق سلاح.
هذه التقديرات لا تكشف الحجم الكامل للتشغيل الفعلي، وربما يتغير ذلك في جولات قتالية مقبلة. فالإيرانيون يلتزمون الصمت حالياً لكنهم خصم ماكر وخطير قادر على إشعال مواجهة جديدة في أي وقت. وفي النهاية، فإن القدرة الإسرائيلية على كشف هذه المنصات واعتراضها تُعد عاملاً أساسياً في تقليص خطورتها، كما أن هذه المسيّرات لا تملك القدرة على اختراق الملاجئ المحصّنة، ما يجعل الالتزام بإجراءات الأمان كافياً لتفادي الخطر.