العائلة، التي لجأت إلى معصرة الزيتون القديمة التابعة لها وحوّلتها إلى سكن مؤقت بانتظار إعادة الإعمار، عبّرت عن دهشتها وامتعاضها الشديد من هذا التصرف، واصفة إياه بـ"الوقاحة الفاضحة"، خصوصًا أن الجابي لم يكتف بالمطالبة بالفواتير السابقة، بل أبلغ العائلة أن فاتورة جديدة ستصدر قريبًا عن أشهر تموز وآب وأيلول، لعقار لم يعد موجودًا على الخريطة.
ما جرى مع عائلة الظاهر ليس حادثة معزولة، بل هو نموذج صارخ لـتجاهل الدولة لحقوق مواطنيها الأساسية، في وقت لا تزال فيه قرى وبلدات الجنوب تتعرض بشكل يومي للقصف الإسرائيلي، ويُهجر الآلاف من منازلهم، وسط غياب شبه كامل لأي خطة دعم أو إعادة إعمار أو حتى تضامن إنساني رسمي.
بدل أن تقف الدولة إلى جانب أبنائها الذين دُمّرت منازلهم وتهجّروا من أرضهم، اختارت أن تحاسبهم ماليًا على ركام منازلهم، وكأنّ واجبات المواطن تُحصى بدقة، فيما واجبات الدولة تُلقى في مهب الريح.
الواقعة تلخّص التناقض الصارخ في علاقة الدولة بمواطنيها: منزل مدمّر، حياة مشردة، مصدر رزق مفقود، ومع ذلك تُطلب الفواتير!
وفيما يغيب الدعم، ويغيب التعويض، وتغيب حتى خطط إعادة الإعمار أو مواكبة الأزمة الإنسانية التي يعيشها الجنوبيون، تحضر الدولة فقط حين يتعلق الأمر بجني الإيرادات.
هي دولة تنسى مواطنيها تحت القصف، لكنها تتذكرهم تحت الديون.
ومع كل ذلك، يواصل الجنوب اللبناني صموده في وجه العدوان الإسرائيلي، رغم الخسائر والتضحيات والانهيارات المتتالية، ليس فقط في البنى التحتية، بل في ثقة المواطن بدولته.
وفي المقابل، يستمر الإهمال الرسمي وكأن شيئًا لم يحدث، فيما يتحمّل المواطن مجددًا كلفة الحرب وكلفة التقصير الرسمي معًا.
في النهاية، تُثبت هذه الحادثة أن الفجوة بين المواطن والدولة تتّسع أكثر فأكثر، خصوصًا حين تتحوّل الدولة من حامية إلى جابية، ومن راعية إلى غائبة، تكتفي بإرسال فواتير على أنقاض البيوت... وتطالب بالواجبات من دون أن تؤدي أبسط الحقوق.