أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب صلاة الجمعة في مقر المجلس في طريق المطار، وألقى خطبته الدينية والسياسية بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والاجتماعية والمؤمنين.
تحدث الخطيب في مستهل خطبته عن المنظور الخاطئ للقوة والريادة في المجتمعات الحديثة، موضحًا أنّ "الكثيرين يعتقدون أنّ التقدّم المادي والعلمي يعني امتلاك الحقيقة المطلقة، وأنّ الأمم المتقدّمة تمتلك حقّ السيطرة على الشعوب الأخرى وفرض إرادتها عليها باعتباره قانونًا طبيعيًا".
وأشار إلى أنّ هذه الرؤية، وإن بدت واقعية، تغفل جوهر التحوّلات التاريخية التي تُثبت أن القوة المادية ليست ثابتة، وأنها تتحوّل بتبدّل الزمن والإرادات، مستشهدًا بقوله تعالى: ﴿وتلك الأيام نداولها بين الناس﴾، مؤكّدًا أنّ "الثبات في القوة ليس سنّة التاريخ، بل التحوّل والتبدّل هو القانون الإلهي الدائم".
وشدّد الخطيب على أنّ "القوة الحقيقية لا تُقاس بالأسلحة والطيران والدبابات، بل بالإيمان والعدل واستخدام القوة في خدمة الإنسان لا في قهره"، مستندًا إلى قوله تعالى: ﴿إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم﴾.
وأوضح أنّ السنن الاجتماعية تشبه السنن التكوينية في خضوعها للإرادة الإلهية، فالظلم يؤدي إلى زوال النعم وتحولها إلى نقمة، مستشهدًا بآيات من سورة سبأ حول قوم سبأ الذين خسروا نعمتهم حين كفروا بها.
وأكد أنّ "القوة الحقيقية هي تلك المرتبطة بالله تعالى، وكل قوة تنفصل عنه تصبح زائفة وسرابًا، لأن معيار النصر ليس في العتاد، بل في الإيمان"، مضيفًا: "لقد خسر المسلمون في حنين عندما أعجبتهم كثرتهم، وانتصروا في بدر عندما تمسكوا بالإيمان رغم قلة عددهم".
وفي الشق السياسي، اعتبر الخطيب أنّ "الغرب يمارس تضليلًا كبيرًا حين يقول إنّ معركته ليست دينية"، موضحًا أنّ "الغرب يخوض منذ قرون معركة ضد الإسلام، لا ضد المسيحية التي حبسها داخل الكنائس وأخرجها من الحياة العامة".
وقال: "إنّ الغرب يدرك أن سلاح الإيمان هو ما يخافه، لذلك يسعى إلى تشويه الإسلام وتفريغه من قيمه، وإلى منع المسلمين من وعي حقيقة أن الصراع هو على العقيدة والهوية والثقافة، لا على السياسة فقط".
وتحدث الخطيب عن المقاومة الإسلامية في لبنان وغزة وإيران واليمن، معتبرًا أنّها "أربكت الغرب وأفشلت محاولاته لإنهائها".
وقال: "لقد حاول العدو أن يروّج لمقولة أنّ المقاومة انهزمت بعد طوفان الأقصى، لكنه فشل، لأن الواقع أثبت أنّ المقاومة صمدت، وأنّ جمهورها ازداد التفافًا حولها، فيما خسر العدو كل ما ظنّ أنه كسبه".
وأضاف أنّ "المقاومة في لبنان ما زالت الرقم الصعب، والعدو الإسرائيلي يحسب لها ألف حساب، فيما الجمهورية الإسلامية الإيرانية لقّنت العدو درسًا قاسيًا بدكّ معاقله في فلسطين المحتلة، وأثبتت أنّه لا حماية له حتى داخل كيانه".
ولفت إلى أنّ ما جرى في غزة كان هزيمة واضحة للمخطط الغربي، قائلاً: "العدو اضطر في النهاية إلى التفاوض مع المقاومة والانسحاب من غزة، بعدما فشل في كسرها أو إخضاعها رغم المجازر والإبادة التي ارتكبها بحق المدنيين".
وفي الشأن الداخلي، دعا العلامة الخطيب الحكومة اللبنانية إلى الابتعاد عن سياسة المناكفات والانتقام، مؤكدًا أنّ "المطلوب اليوم تعاون الجميع لإنقاذ البلد من أزماته، والعمل الجاد على وقف العدوان الإسرائيلي وإعادة إعمار ما تهدم وتحرير الأسرى وتنفيذ الإصلاحات".
وقال: "على الحكومة أن تشعر الناس بوجودها، وأن تتحمل مسؤولياتها الوطنية بجدارة، لا أن تغرق في السلبية أو الحسابات الضيقة".
وختم داعيًا إلى "تعزيز الوعي الوطني والتمسّك بالثوابت الإيمانية والوحدوية"، مؤكدًا أنّ "المعركة مع العدو لم تنتهِ بعد، لكنّ المقاومة وشعبها أثبتوا أنهم لا يُهزمون، لأنهم يستمدّون قوتهم من إيمانهم وعدالتهم لا من السلاح وحده"