بدأ دونالد ترامب الأسبوع مثنياً على حركة حماس لـ"حفظها النظام" في قطاع غزة، وأنهى الأسبوع مهدداً بـ"الدخول وقتلها" إذا لم تتوقف عن قتل الناس. بالنسبة لغالبية القادة قد يبدو هذا اضطراباً، لكن في منطق ترامب هو تكتيك محسوب.
تعامل ترامب مع إعادة بسط حماس لسيطرتها في غزة يبيّن في آنٍ واحد قوة وهشاشة منهجه. عندما شرعت الحركة في تطهير الفصائل المتنافسة، كانت غريزة ترامب الأولى قبولاً عملياً: غزة بحاجة إلى سلطة تمنع الانهيار، وفي غياب أي قوة دولية جاهزة للتدخل بدا السماح لحماس بـ"تطهير العصابات السيئة" ضرورة قبيحة.
لكن الردود الإسرائيلية والانتقادات داخل واشنطن حول احتمالات إضفاء شرعية على منظمة مسلحة دفعت ترامب إلى انعطاف حاد. خلال 48 ساعة أعلن عبر حسابه على "تروث سوشال": «إذا استمرت حماس في قتل الناس، فلن يكون لدينا خيار سوى الدخول وقتلهم». هذا التحول ليس عشوائياً بقدر ما هو جزء من منطقٍ يمتاز باللامنطق الظاهري.
تقلبات الرئيس ليست مجرد تردّد، بل آلية لإدارة النفوذ. عبر التناوب بين التساهل والتهديد يبقي ترامب جميع الأطراف معتمدة على خطوةٍ لاحقة منه. حماس ترى في تفهمه درعاً مؤقتاً، وإسرائيل تعتبر مواقفه دعماً مشروطاً؛ كلا الطرفين يحاولان استمالته مباشرة، وهو ما يمنحه احتكار المبادرة. في عالمه، اللامتوقع ليس عيباً بل أداة قوة.
على خلاف رؤساء أميركيين سابقين، لا يعتقد ترامب بإمكانية "إصلاح" حماس؛ بل يتعامل معها كقوة أمر واقع يجب إدارتها في مرحلة انتقالية. تسامحه الحالي لا ينبع من إيمانٍ بتغيير جذري، بل من رغبة في حماية صورة الصفقة التي جرى التوصل إليها، لأن زخم الاتفاق أهم لديه من اتساق تفاصيله. في نظره العقارية للجيوسياسة، المستأجر السيء أفضل من العقار الخالي.
التحوّل المفاجئ في الموقف يخدم أيضاً السياسة الداخلية: تهديد "الدخول وقتلهم" يعيد إحياء العلامة التجارية الترامبية—قاسية، حاسمة، وغير ملتزمة بالشكليات الدبلوماسية—ويطمئن قاعدة ناخبيه ويهدّد خصومه. لكن لهذه الطريقة حدوداً؛ فالتقلب المستمر يضعف هيبة الردع. إذا تبع كل تهديد انفتاح، وكل انفتاح تهديد، سيفقد الطرفان ثقة دائمة في أن يلتزم ترامب بكلمته، وبذلك يتحول نفوذه إلى امتثال قصير الأجل دون مصداقية طويلة الأمد.
خلف هذه الفوضى منطق بارد مبني على ثلاث فرضيات:
يجب أن تكون هناك سلطة تسيطر على غزة الآن، حتى لو كانت حماس.
الرئيس الأميركي وحده يمتلك النفوذ للتسامح واليوم والتهديد غداً.
زخم الاتفاق أهم من اتساق بنوده؛ فإذا صمد وقف النار وفتحت المراحل التالية، يمكن إعادة تغليف التناقضات على أنها مرونة.
هذه نسخة مخاطرة من فلسفة ترامب التجارية: إبرام الصفقة أولاً، وترتيب التفاصيل لاحقاً. مهما بدا المشهد مفككاً الآن، يبقى بوسعه إيقاف القتال عندما يرى ذلك مفيداً له.
رهان ترامب أن عدم الاستقرار يمكن إدارته بالكاريزما والخوف. إن أطاعت حماس فسيُنسب إليه الفضل، وإن تحدته فسيجد مبرراً لاستئناف القوة. لكن هذه الاستراتيجية لا تُبنى على مؤسسات؛ فهي تعتمد على تدخّلاتٍ متكررة من رجلٍ في مركز العاصفة، وما دامت هكذا فستبقى هشّة وسريعة التآكل.
الخلاصة: تعامل ترامب المتناقض مع حماس ليس ارتباكاً، بل أسلوب حكم: يشتري الطاعة بالغموض ويجني السلام بالتهديد. غير أن الاتفاقات المبنية على الخوف والارتجال نادراً ما تصمد طويلاً بعد زوال من صنعها.
لكن التاريخ يقول إن الصفقات التي تقوم على الكاريزما والتهديد لا تستمر طويلًا بعد غياب من صنعها.