"ليبانون ديبايت" - باسمة عطوي
عادت "الوفود اللبنانية الثلاثة" التي شاركت في إجتماعات الخريف التي يعقدها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في واشنطن، بعد أكثر من أسبوع من النقاشات الشاقة والإجتماعات بينهم وبين ممثلي صندوق النقد و البنك الدولي على هامش إجتماعات الخريف السنوية. لكن الأجواء التي تسربت عن مضمون هذه الإجتماعات تُظهر أن رياح الصندوق لم تأت بما تشتهيه سُفن الوفد اللبناني، حيث الإختلاف بينهما كان ولا يزال قائما على قانون إعادة إنتظام العمل المصرفي ( الصندوق لديه 30 ملاحظة)، قانون الفجوة المالية ( لا يزال مثار جدل بين وزارة المالية والمصرف المركزي) ودين 16 مليار و400 مليون دولار ( موضوع النزاع بين المركزي والمالية). مع الإشارة إلى أن هذه التباينات كانت موجودة قبل إجتماعات الخريف، ولم يتمكن الطرفان في جولة اللقاءات الأخيرة من تقليص الهوة بينهما، ما يعني أن لا إتفاق قريب بين لبنان وصندوق النقد.
غبريل: الشرخ بين لبنان والصندوق يحتاج إلى وقت كي يعالج
يرى كبير الإقتصاديين في مجموعة بنك بيبلوس الدكتور نسيب غبريل ل"موقع ليبانون ديبايت"، أن "الشرخ بين لبنان وصندوق النقد يحتاج إلى وقت كي يعالج. هناك بنود لم يتوصل الجانبان إلى إتفاق حولها وأولها موضوع الخطوات لإعادة هيكلة القطاع المصرفي، فتصور مصرف لبنان للقيام بذلك، تبدأ بإجراء تدقيق جنائي لكل مصرف على حدة، بعدها تقييم لأصول كل مصرف بشكل منفرد، ثم تتم معالجة الفوائد المرتفعة التي منحت للمودعين بين 2015 و2019، والحسابات المشكوك بمصدرها والتي تكونت بطريقة دفترية ( من خلال تجارة الشيكات)، وبعدها يتم تطبيق منهجية تراتبية المسؤوليات التي يطلبها صندوق النقد، والتي تبدأ برأسمال المصارف ثم الديون المرؤوسة، ثم الودائع للمساهمين الأساسيين والمدراء، و من ثم معالجة ودائع المودعيين".
يضيف:"التراتبية التي يطالب صندوق النقد بتطبيقها تُطبق عند حدوث أي أزمة مالية في العالم، لكن في لبنان الأزمة نظامية وهذا ما شدد عليه الوفد اللبناني في إجتماعات واشنطن، معتبرا أنه من الأفضل تطبيق وجهة نظر المركزي لأنها لصالح المودعين"، مشيرا إلى أن "رد صندوق النقد كان أنه إعترض على إلغاء الفوائد المرتفعة او معالجة الحسابات المشكوك بمصدرها، قبل الذهاب الى شطب رؤوس أموال المصارف يخالف منهجية تراتبية السؤوليات، لأن هذا الأمر هو "هيركات على الودائع"، ولا يمكن البدء بالمودعين قبل رأسمال المصارف، وهذه منهجية صندوق النقد التي لا يُغيرها".
ويلفت إلى أنه "من المعروف أن الصندوق لديه ملاحظات على قانون إعادة إنتظام العمل المصرفي، وجاء قرار مجلس شورى الدولة بإيقاف العمل ببعض مواده، ليزيد الطين بلة لجهة تمسك الصندوق بإعادة هيكلة سريعة للمصارف، ولكن في ظل مضمون القانون وقرار مجلس الشورى، صندوق النقد يريد إدخال تعديلات ضرورية وهو مصر على ذلك" .
يوضح غبريل إلى أن "النقطة الثانية التي كانت مدار خلاف بين الوفد اللبناني والصندوق، هي مبلغ 16 مليار و400 مليون دولار التي يعتبرها المركزي إلتزام ودين له على الدولة اللبنانية، وهذا ما لم تعترف الدولة به رسميا بعد ويبدي صندوق النقد عدم إقتناعه بها أيضا. علما أنه قبل الذهاب إلى واشنطن حصل إتفاق بين وزارة المالية ومصرف لبنان على تعيين شركة مختصة، للتدقيق بأحقية المبلغ بالرغم أن مصرف لبنان يملك المستندات القانونية التي تثبت أن هذا المبلغ هو التزام فعلي للحكومة تجاه المركزي"، مشيرا إلى أن "الموضوع الثالث التي تم البحث به في واشنطن حول أرقام الحسابات الوطنية التي صدرت عن دائرة الإحصاء المركزي مؤخرا، وحجم الناتج المحلي في لبنان للعام 2023، والذي قدّرته دائرة الإحصاء ب31 مليار و600 مليون دولار، لكن مسؤولو صندوق النقد أبدوا عدم إقتناعهم بهذا الرقم، وظلوا متمسكين 28 ب مليار دولار كحجم للناتج المحلي لعام 2024، وسجلوا ملاحظاتهم على المنهجية التي إتبعتها دائرة الإحصاء والتي تستند على أن 30 بالمئة من حجم الاقتصاد الوطني هو إقتصاد موازي أي لا يصرح عن مدخوله ولا يدفع الضرائب، وكان هناك علامات إستفهام على منهجية بعض المؤشرات المستخدمة في احتساب حجم الناتج المحلي، كما ينوي ممثلي الصندوق مناقشة هذه النتائج مع مديرية الاحصاء المركزي".
وأضاف "أهمية هذا الموضوع التقني، هو أن حجم الناتج المحلي سيكون له تداعيات على نسبة الدين العام الى الناتج المحلي في التوقعات الصندوق لإستدامة الدين العام. أما النقطة الرابعة هي إعادة هيكلة اليوروبندز، إذ سادت أجواء في واشنطن بأن التفاوض على عادة هيكة اليوروبندز، لن يحصل قبل نهاية 2026 او أول فصل ال2027 في أحسن الأحوال، وفي أسوأ الاحوال يتم ترحيله إلى ما بعد 2030. كما أبدى مسؤولو الصندوق إهتماما بإستدامة الدين العام بالنسبة للناتج المحلي، خصوصا أنه إتضح خلال النقاشات أن على الدولة اللبنانية ديون مقدارها 5 مليار دولار إضافية للبنك الدولي وللعراق".
في ما يتعلق بمؤتمرات دعم لبنان(الجيش /إعادة الاعمار/المانحين) يقول غبريل:" في ما يخص مؤتمر المانحين الذي من المتوقع أن تنظمه فرنسا، فموعده سيُحدد مع إقتراب موافقة المجلس التنفيذي لصندوق النقد على الإتفاق بين لبنان والصندوق، وهذا بدوره مرتبط بإقرار مجلس النواب لقانون ما يسمى بالفجوة المالية، والذي يجب أن يتم وفقا لشروط الصندوق".
ويختم:"على المدى القصير لا يبدو أن هناك إتفاق بين لبنان والصندوق، صحيح أنه ليس من الصعب تنفيذ الملاحظات المطلوبة، لكن التوقيع ليس قريبا، هناك دعم سياسي ودبلوماسي عربي ودولي للبنان، لكنه مُرتبط بحصرية السلاح وتنفيذ الإصلاحات المطلوبة. وترجمة الدعم الدبلوماسي والسياسي العربي الدولي الى دعم مالي وإقتصادي يحتاج إلى تنفيذ هذين الشرطين".