تواجه إيران واحدة من أسوأ أزماتها الاقتصادية منذ عقود، مع تصاعد التضخّم والانكماش في آنٍ واحد، وتداعيات إعادة فرض العقوبات الأممية بموجب آلية "سناب باك"، بعد فشل المفاوضات مع الغرب حول البرنامجين النووي والبالستي، وفق تقرير نشره موقع N12 الإسرائيلي أعدّه الصحافي أساف روزنزفايغ بتاريخ 22 تشرين الأول 2025.
أشار التقرير إلى أنّ العاصمة طهران شهدت منذ إعادة فرض العقوبات في 28 أيلول الماضي سلسلة اجتماعات طارئة على أعلى المستويات، نقلًا عن وكالة رويترز، هدفت إلى منع انهيار اقتصادي شامل ومحاولة احتواء الغضب الشعبي المتصاعد.
ونقل التقرير عن أحد كبار المسؤولين قوله إنّ "القيادة تدرك أنّ عودة التظاهرات ليست سوى مسألة وقت"، مضيفًا أنّ الأزمة تتفاقم والخيارات تضيق.
يحاول النظام الإيراني تطبيق ما يسمّيه "اقتصاد المقاومة" عبر تعزيز الاكتفاء الذاتي وتوسيع التعاون مع الصين وروسيا ودول الجنوب العالمي التي لا تلتزم بالعقوبات الغربية.
لكنّ خبراء حذّروا من أنّ هذه المقاربة غير كافية لإنقاذ اقتصاد يضمّ 92 مليون نسمة، في ظل شلل في التجارة وصادرات النفط والنظام المصرفي.
وبحسب تقارير البنك الدولي التي استند إليها التقرير، بدأ الناتج المحلي الإيراني بالانكماش فعليًا منذ عودة العقوبات، مع توقّع تراجعه بنسبة 1.7% عام 2025 وبـ 2.8% إضافية عام 2026، بعدما كانت التوقعات السابقة تشير إلى نمو طفيف.
تُعدّ صادرات النفط إلى آسيا، ولا سيّما إلى الصين، من أبرز التحديات أمام طهران.
ورغم إعلان الحكومة استمرار التعاون مع بكين، أقرّ مسؤولون بأنّ أي تقارب بين الصين وإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد يدفعها إلى تقليص استيراد النفط الإيراني أو فرض شروط مالية أقسى، ما سيكبّد إيران خسائر تُقدّر بنحو نصف مليار دولار سنويًا عن كل انخفاض دولار واحد في سعر البرميل.
وقال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إنّ "هدف الغرب من تفعيل آلية سناب باك هو ضرب صادرات النفط وتقليص التجارة الإيرانية"، مضيفًا أنّه "لا يجوز لنا البقاء معتمدين على مبيعات النفط".
كانت العملة الإيرانية أولى ضحايا العقوبات، إذ هبطت من 920 ألف ريال إلى أكثر من 1.115 مليون ريال للدولار الواحد خلال أشهر قليلة، ما أدّى إلى ارتفاع التضخّم إلى أكثر من 40% وفق الأرقام الرسمية، فيما تشير تقديرات أخرى إلى نسب أعلى.
وذكر التقرير أنّ أسعار المواد الأساسية ارتفعت بنسبة 51% خلال عام واحد، إذ بلغ سعر الكيلوغرام من اللحم نحو 12 دولارًا، وهو مبلغ يعجز عن دفعه معظم الإيرانيين.
وقال المواطن علي رضا، موظف حكومي من طهران، لوكالة رويترز: "أتقاضى 34 مليون تومان شهريًا (نحو 300 دولار). زوجتي فقدت عملها، ولدينا طفلان. بالكاد نؤمّن الإيجار ونرسلهم إلى المدرسة."
يتزايد القلق داخل النظام من عودة التظاهرات الشعبية التي اندلعت مرارًا منذ عام 2017.
وقالت سيما، عاملة في مصنع بمدينة شيراز وأم لثلاثة أطفال، لـرويترز: "نعيش في ضيق منذ سنوات، لكن الوضع الآن لا يُحتمل. الأسعار ترتفع كل يوم، ولم نعد نشتري اللحم إلا مرة في الشهر."
وفي السياق نفسه، عبّر أصحاب الأعمال الصغيرة عن مخاوفهم من العزلة الاقتصادية وتراجع الصادرات، خصوصًا مع الأنباء عن احتمال قيام إسرائيل بتوجيه ضربات جديدة إذا لم تُحلّ الأزمة الدبلوماسية.
وقال مهدي، صاحب شركة لتصدير الفواكه: "كل شهر لا أعلم إن كنت سأحصل على تصاريح التصدير أو زبائن. لا يمكن إدارة عمل بهذه الفوضى."
يخلص تقرير أساف روزنزفايغ إلى أنّ إيران تمرّ بمرحلة حساسة وخطرة، تتزايد فيها الضغوط الاقتصادية وتتقلّص الخيارات السياسية، بينما يجد المرشد الأعلى علي خامنئي نفسه أمام أصعب اختبار منذ تولّيه السلطة، في ظل تساؤلات داخلية ودولية عمّا إذا كانت هذه الأزمة قد تمهّد فعلاً لانهيار النظام الإيراني.