في واحدة من أكثر الصناعات غموضاً ونفوذاً في العالم، كشف تقرير لموقع "عربي بوست" عن شبكة معقدة من شركات التجسس الإسرائيلية، التي تحولت إلى أداة مركزية في عمليات المراقبة والاختراق الرقمي عبر الشرق الأوسط، مستفيدة من بيئة سياسية وأمنية خصبة لترويج تقنياتها وبيعها لمن يدفع أكثر، من حكومات وحتى أجهزة استخبارات خاصة.
ورغم الطابع السري الذي يحيط بهذه الصناعة، فإن التحقيقات الأمنية الدولية وتقارير "مختبر المواطن الرقمي" (Citizen Lab) كشفت في السنوات الأخيرة عن خفايا هذه الشركات الإسرائيلية التي تعمل كـ"مرتزقة رقمية"، وتبيع أدواتها لأنظمة مختلفة في المنطقة، مستخدمةً واجهات شركات أوروبية أو أسماء وهمية لتفادي الملاحقة القانونية.
بيغاسوس.. الاختراق دون أثر
في قلب هذه الصناعة تقف شركة NSO Group، التي اشتهرت عالميًا ببرمجيتها الخطيرة "بيغاسوس"، القادرة على اختراق الهواتف الذكية دون علم أصحابها، والوصول إلى رسائلهم، وصورهم، ومكالماتهم، وحتى تفعيل الكاميرا والميكروفون دون إذن المستخدم.
وتُظهر التسريبات أن الشركة الإسرائيلية باعت خدماتها لعشرات الحكومات في الشرق الأوسط، واستخدمت التقنية في مراقبة صحفيين ومعارضين سياسيين، ما أدى إلى إدراجها على قائمة العقوبات الأميركية عام 2021.
وإلى جانب "بيغاسوس"، طوّرت الشركة أداة أخرى تُعرف باسم Circle، تعتمد على ثغرات قديمة في أنظمة الاتصالات (SS7)، تمكّن من اعتراض المكالمات والرسائل النصية دون أن يلاحظ المستخدم.
تحالف Intellexa... ضابط إسرائيلي في صدارة اللعبة
وفي تقريره، أشار "عربي بوست" إلى أن ضابط الاستخبارات الإسرائيلي السابق تال ديليان يقود تحالفاً تجسسياً ضخماً يُعرف باسم "Intellexa Alliance"، يضم شركات مسجلة في مقدونيا، اليونان، وأيرلندا، أبرزها Cytrox، التي طورت أداة اختراق متقدمة تُدعى Predator.
الأداة، بحسب مختبر Citizen Lab، تُستخدم لاختراق هواتف "آيفون" و"أندرويد" عبر هجمات "Zero-click" (بلا نقرة)، وتتيح الوصول الكامل إلى بيانات المستخدم، جهات اتصاله، موقعه الجغرافي، ورسائله الخاصة.
وقد فرضت وزارة الخزانة الأميركية في آذار 2024 عقوبات على تحالف Intellexa بسبب تورطه في عمليات تجسس استهدفت مسؤولين وصحفيين أميركيين.
لسان الشيطان.. شركة إسرائيلية تتخفى بأسماء متعددة
ومن بين الشركات الإسرائيلية الأخرى البارزة، Saito Tech Ltd، التي عُرفت سابقًا بعدة أسماء بينها "Candiru" و"Grindavik Solutions".
وطوّرت الشركة أداة اختراق أطلقت عليها "مايكروسوفت" اسم "DevilsTongue" (لسان الشيطان)، نظرًا لقدرتها الصامتة على التسلل إلى الهواتف والحواسيب، وسرقة البيانات من تطبيقات مثل Gmail وFacebook وTelegram وSignal.
وتُظهر وثائق من البرلمان الأوروبي أنّ الشركة قدّمت خدماتها بأسعار تصل إلى 16 مليون دولار لحزم تجسس مفتوحة تشمل مراقبة حتى 10 أجهزة في الوقت نفسه.
إيطاليا وإندونيسيا تدخلان اللعبة
لا تقتصر صناعة التجسس على الشركات الإسرائيلية. إذ أشار التقرير إلى نشاط شركة RCS Lab الإيطالية، التي توصف بأنها "النسخة الأوروبية من NSO"، وتملك أداة تجسس تُعرف باسم Hermit، تم رصد استخدامها في سوريا ودول آسيوية أخرى.
كما كشف تحقيق دولي في تشرين الأول 2025، عن شركة First Wap الإندونيسية، التي نفّذت أكثر من مليون محاولة مراقبة في 160 دولة باستخدام أدوات تعتمد على بروتوكولات الاتصالات نفسها التي تستغلها الشركات الإسرائيلية.
الشرق الأوسط... ساحة الاختبار المثالية
بحسب التقرير، يُعتبر الشرق الأوسط المختبر الأكبر لتجريب أدوات التجسس الحديثة، في ظل الصراعات الإقليمية، وانعدام الضمانات القانونية لحماية الخصوصية الرقمية.
ويحذر خبراء الأمن السيبراني من أن أي هاتف في المنطقة لم يعد آمناً فعلاً، وأن عمليات الاختراق تجري غالباً دون أن يشعر بها الضحايا، عبر ما يسمى بالهجمات الصامتة.
إجراءات وقائية محدودة
يخلص التقرير إلى أن الحماية الكاملة من هذه الأدوات تكاد تكون مستحيلة، لكنه ينصح بعدد من الإجراءات لتقليل المخاطر، منها:
– إعادة تشغيل الجهاز يوميًا.
– الامتناع عن النقر على روابط مجهولة.
– تحديث أنظمة التشغيل باستمرار.
– واستخدام وضع "Lockdown Mode" على أجهزة Apple للمستخدمين المعرضين للخطر.
ويشير التقرير إلى أن صناعة "المرتزقة الرقميين" التي تقودها شركات إسرائيلية، تحولت إلى سلاح سياسي وأمني في المنطقة، يستخدم للتجسس والابتزاز ومراقبة الخصوم، ما يجعل الشرق الأوسط أكثر المناطق انكشافاً رقمياً في العالم.