افتتاحية "ليبانون ديبايت"
“لا انتخابات من دون اقتراع المغتربين”… شعارٌ تحوّل إلى عنوان المعركة السياسية المقبلة، وأضحى البند الأول على طاولة التجاذب الداخلي والخارجي معًا. فكل الأنظار تتجه اليوم إلى تعديل القانون الانتخابي، وإلغاء المقاعد الستة الخاصة بالمغتربين، وفتح المجال أمامهم للاقتراع وفقًا لمحلّ قيدهم.
لكنّ ما يدور في الكواليس أخطر بكثير ممّا يُقال في العلن. فلبنان، كما يبدو، مقبل على مرحلة تصعيد كبيرة. الضغوط الخارجية والداخلية تتكامل في اتجاه واحد: تغيير تركيبة المجلس النيابي المقبل. الرهان هذه المرة على أصوات المغتربين، باعتبارها المفتاح لإحداث التحوّل في موازين القوى. فالمعادلة واضحة: من دون اقتراع المغتربين، ستبقى الخريطة النيابية على حالها، ومن هنا تُبنى كل الحسابات.
وفي خضم هذا السجال، تعود إلى الواجهة تغريدة السفير الأميركي توم باراك، الذي حذّر منذ أسابيع من أنّ “حزب الله قد يسعى إلى تأجيل الانتخابات للحفاظ على قاعدته وإعادة تنظيم صفوفه”، لكنه نبّه في المقابل إلى أنّ “أي تأجيل من هذا النوع سيقود إلى فوضى كبرى، ويعمّق الشلل، ويشعل احتجاجات واسعة شبيهة بانتفاضة 2019، ما سيفتح الباب أمام تدخلات خارجية وانقسام مؤسساتي شامل”.
اليوم، ومع تصاعد الخطاب السياسي وارتفاع منسوب التوتّر، يُطرح السؤال بجدية: هل نعيش فعلاً بدايات ما وصفه باراك؟ فشلّ المجلس النيابي، مقاطعة الجلسات، تعطّل اللجان، وتهديد الشارع بالتحرّك… كلها مؤشرات إلى مرحلة غليان تسبق الانفجار.
ما يحصل اليوم في البرلمان ليس حدثًا معزولًا، بل خطوة أولى في مسار تصعيدي واضح المعالم. فمقاطعة الجلسات التشريعية تبدو كفاتحة لمسار أوسع عنوانه شلّ المجلس النيابي، يليه شلّ الحكومة، وربما لاحقًا تحريك الشارع تحت شعارات الإصلاح والعدالة الانتخابية.
في الشكل، هي معركة على حقّ المغتربين في الاقتراع. أمّا في الجوهر، فهي معركة على هوية المجلس النيابي المقبل، وعلى ميزان القوى الذي سيتحكّم بمستقبل البلد في السنوات القادمة.
اللبنانيون أمام مشهد ملبّد بالتصعيد والاحتمالات المفتوحة، بين من يرفع شعار الإصلاح والعدالة الانتخابية، ومن يرى في ما يجري محاولة جديدة للانقلاب على التوازنات. وبين هذا وذاك، يبقى السؤال: هل تتحقّق نبوءة توم باراك؟ وهل يدخل لبنان فعلًا مرحلة فوضى جديدة تُكتب هذه المرة باسم “اقتراع المغتربين”؟