من الحاجة إلى الخطر
ورغم مرور سنوات على الأزمة وتحسّن نسبي في تغطية الضمان الاجتماعي وتعاونية موظفي الدولة، إلا أنّ ظاهرة لافتة وخطيرة لا تزال تتكرّر حتى اليوم: سفر عدد من المرضى اللبنانيين إلى سوريا لإجراء عمليات جراحية بأسعار أقلّ بكثير مما هي عليه في لبنان.
ففي حين تتراوح كلفة بعض العمليات في المستشفيات اللبنانية بين 1500 و2000 دولار، يمكن للمريض إجراؤها في سوريا بما لا يتجاوز 700 أو 800 دولار، ما يدفع كثيرين إلى خوض هذه المغامرة الطبية، غير مدركين أنّ "التوفير" قد يتحوّل إلى رحلة موت.
مأساة مريضة لبنانية
وفي هذا الإطار، روت إحدى المريضات لـ"ليبانون ديبايت" قصّتها المروّعة، بعدما قصدت مستشفى في سوريا لإجراء عملية جراحية في البطن.
تقول السيدة إنّ الطبيب السوري الذي استقبلها أجبرها على توقيع أوراق الخروج قبل دخول غرفة العمليات، متذرّعًا بأنّ الإجراء روتيني، ثم غادر البلاد بعد العملية، تاركًا المريضة تواجه مصيرها.
فبعد أن طمأنها الطبيب بأنّ العملية لن تستغرق أكثر من ساعتين، غرقت في غيبوبة استمرّت ثمانية أيام بسبب نزيف داخلي حادّ ناتج عن تخدير مغشوش وغياب أدنى شروط التعقيم. وحين استفاقت، وجدت نفسها في حالة مأساوية: التهاب في القُطَب، نزيف داخلي وخارجي، وتجلّطات دمويّة متعدّدة.
تقول المريضة: "المشهد في غرفة العمليات مبكي… لا تعقيم، لا أدوات نظيفة، الشراشف ملوّثة بالدم، والطبيب اختفى من سوريا إلى قطر قبل أن يكتب لي أي تقرير طبي يساعدني على المتابعة في بيروت."
عادت السيدة إلى لبنان بحالة يُرثى لها، واضطرت إلى الخضوع لعلاجات طويلة ومكلفة فاقت بأضعاف ما كانت ستدفعه لو أجرت العملية في مستشفى لبناني.
تجارة الموت: الأعضاء البشرية "على الطريق"
الأخطر من ذلك ما كشفته المريضة لاحقًا عن عرض تلقّته صديقتها داخل أحد المستشفيات اللبنانية من رجل سوري يُدعى (ح. أ)، كان موجودًا هناك، ادّعى قدرته على تأمين "كلية" من سوريا مقابل 500 دولار فقط.
بحسب روايتها، قال الرجل حرفيًا: "منأمّنك بسيارة، بتوصلي عَ سوريا، منعمل العملية، وبتعودي عَ بيروت… كلّو بـ500 دولار."
وأكد لها أن النقل يتمّ بشكل غير شرعي عبر الحدود، ضمن شبكة منظّمة تستغل حاجة المرضى وفقرهم.
ظاهرة تستدعي تحرّكًا عاجلاً
هذه القصة ليست حادثة فردية، بل تكشف ظاهرة خطيرة تتّسع في الظلّ، حيث يتسلّل اليأس إلى قلوب اللبنانيين فيدفعهم إلى اتخاذ قرارات يائسة قد تكلّفهم حياتهم.
فبين المستشفيات التي تُغلق أبوابها في وجه الفقراء، والأخرى التي تستغلّ المرضى بأسعار خيالية، يجد المريض اللبناني نفسه بين خيارين أحلاهما مرّ: الموت علىابواب مستشفيات لبنان أو المخاطرة والموت في الخارج.
إنّ ما يجري بين لبنان وسوريا على صعيد السياحة الطبية الرخيصة يستوجب تدخّلًا عاجلًا من وزارتي الصحة والداخلية والأجهزة الأمنية، ليس فقط لحماية المريض اللبناني من الوقوع ضحية الغشّ الطبي أو الاتجار بالأعضاء، بل أيضًا لضبط هذه الشبكات التي تعبث بحياة الناس مقابل الدولارات.
وفيما يظنّ البعض أنّه يُنقذ نفسه بالتوفير، فإنّ الحقيقة المرّة أنّه يدفع الثمن الأغلى: حياته.