في ليلة 22 حزيران 2025، دخلت الحرب بين إسرائيل وإيران مرحلة جديدة، بعدما قرّرت الولايات المتحدة التدخّل العسكري المباشر واستهداف المنشآت النووية الإيرانية، في محاولة لحسم المعركة بعد فشل إسرائيل في تحقيق نتائج ميدانية حاسمة. لكنّ التساؤل الذي طُرح بعد انتهاء العمليات كان: هل نجحت واشنطن في تحقيق هدفها المعلن، أي تدمير البرنامج النووي الإيراني؟
يرى يسري أبو شادي، كبير مفتّشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية سابقًا، أنّ الجواب "قطعيًا لا"، مشيرًا إلى أنّ "كلّ تصريحات ترامب وإسرائيل حول تدمير البرنامج النووي الإيراني كلامٌ سطحي"، موضحًا أنّ إيران طوّرت تقنيات تخصيبها وامتلكت أجهزة IR6 وIR8 التي تتفوّق بعشرات المرات على الجيل الأول من أجهزة IR1، وأنّ "اغتيال العلماء أو تدمير المنشآت لا يوقف برنامجًا يملكه مئات العلماء وآلاف المهندسين".
وأضاف أنّ "الذي دُمّر في فوردو هو الممرّات المؤدية إلى غرف التخصيب، وليس المنشآت الأفقية العميقة نفسها"، معتبرًا أنّ الحديث عن تدمير شامل للبرنامج "مجرد مبالغة إعلامية".
أكّد أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران فؤاد يزدي أنّ السلطات الإيرانية تتعمّد الغموض الإعلامي حول حجم الأضرار، حفاظًا على ورقة القوة في المفاوضات، موضحًا أنّ "تأكيد أو نفي حجم الضرر يساعد الخصم في تقدير الأهداف المستقبلية".
وأشار إلى أنّ "المنشآت تعرّضت لأضرار فعلية بفعل القصف الأميركي، لكنّ إيران لن تُفصح بدقّة عن حجمها".
بحسب معهد كارنيغي، وجّه الباحث جيمس أكتون نصيحة إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعدم التدخل في الحرب، مؤكدًا أنّ "إيران قادرة على إعادة بناء برنامجها النووي حتى لو دُمّرت فوردو"، وأنّ "المعرفة النووية الإيرانية أوسع من أن تُمحى بالقوة".
لكنّ ترامب تجاهل التحذيرات، مقتنعًا – كما أوحى له بنيامين نتنياهو – بأنّ الكلفة البشرية على الولايات المتحدة ستكون محدودة، وأنّ إسرائيل ستتحمّل العبء الأكبر.
ويرى يزدي أنّ "إدارة ترامب اعتمدت المقاربة القائلة بأنّ الردع لا يتحقق إلا بالقوة العسكرية والاغتيالات، في مقابل تراجع خيار الدبلوماسية الذي ساد خلال عهد أوباما".
ندّد خبراء مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بالعدوان الأميركي واعتبروه انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، مؤكدين أنّ القادة العسكريين الأميركيين قد يواجهون مساءلات بشأن "جرائم عدوان".
لكنّ يسري أبو شادي وصف الموقف الدولي بـ"المهزلة الكبرى"، معتبرًا أنّ "صمت الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومجلس الأمن عن الاعتداء على منشآت نووية محمية بمعاهدة عدم الانتشار يُسقط ما تبقّى من مصداقية للنظام الدولي".
لم تمرّ الضربة الأميركية من دون ردّ. إذ استهدفت إيران قاعدة العديد الجوية في قطر، مركز عمليات القيادة الوسطى الأميركية، حيث أكدت صحيفة نيويورك تايمز وجود نحو 8000 جندي أميركي فيها أثناء الحرب.
وأشار الضابط الأميركي السابق سكوت ريتر إلى أنّ "الأدلة المصوّرة تؤكد إصابة أحد الرادارات الأميركية المتطورة بدقّة عالية"، فيما قارن يزدي الموقف بردّ إيران السابق على قاعدة عين الأسد عام 2020، موضحًا أنّ "الولايات المتحدة تميل دائمًا إلى التقليل من حجم الخسائر".
يربط الخبراء بين العدوان الأميركي وشعار "السلام بالقوة" الذي تبنّته الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ حقبة الحرب الباردة، معتبرين أنّ ترامب حاول تكرار المعادلة نفسها عبر فرض "سلام الخضوع" على إيران.
لكنّ الواقع أظهر العكس؛ إذ أثبتت إيران قدرتها على الردّ العسكري الدقيق، ما جعل استمرار الحرب غير مجدٍ.
وأكد فؤاد يزدي أنّ "وقف إطلاق النار لم يكن نتيجة للهجوم الأميركي كما زعم ترامب، بل جاء بطلب من إسرائيل نفسها عبر وساطة قطرية"، لافتًا إلى أنّ "ترامب حاول تصوير الهجوم كإنجاز شخصي يوازي هيروشيما وناغازاكي، في حين أنّ الوقائع أثبتت فشله في تحقيق أيّ حسم".