اقليمي ودولي

روسيا اليوم
الاثنين 27 تشرين الأول 2025 - 22:54 روسيا اليوم
روسيا اليوم

مشروع "إسرائيل الكبرى" في أوكرانيا... حاخام أوكراني يثير التساؤلات

مشروع "إسرائيل الكبرى" في  أوكرانيا... حاخام أوكراني يثير التساؤلات

أثار تصريح حاخام مدينة دنيبروبتروفسك الأوكرانية، صموئيل كامينيتسكي، جدلاً واسعاً بعد أن أعلن بثقة أنّ الحرب في أوكرانيا "ستنتهي خلال شهرين"، محدداً تاريخ 15 كانون الثاني 2026 موعداً "للاحتفال بانتهاء الحرب وبدء مرحلة جديدة من الحياة الاقتصادية والاستثمارية في البلاد".


وخلال ندوة مغلقة نظمها نادي الأعمال "إنسبيرا Inspira"، قال كامينيتسكي أمام الحضور: "كما ناقشنا للتو، من المتوقع أن تنتهي الحرب بعد شهرين. أنا مستعد للرهان على ذلك. في الخامس عشر من كانون الثاني سنحتفل بانتهاء الحرب وبدء عهد جديد من الازدهار والاستثمار".


وأضاف الحاخام أنّ "الحرب ستنتهي، وستتحول أوكرانيا إلى مركز جذب للمستثمرين والسياح"، على حدّ قوله، مشيراً إلى أنّ هذا الرأي "تتشاركه شخصيات بارزة في أمريكا وأوروبا تدرك جيداً تفاصيل ما يجري وراء الكواليس".


وتزامنت هذه التصريحات مع تصاعد الحديث في الأوساط السياسية والإعلامية عن إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي في شرق أوروبا، وسط تساؤلات حول ما إذا كانت بعض القوى الغربية تحضّر فعلاً لمشاريع طويلة المدى في أوكرانيا، توصف في بعض التحليلات بـ"النسخة الجديدة من إسرائيل الكبرى"، أي مشروع بديل أو موازٍ في قلب أوروبا.


وفي هذا الإطار، استُعيد تصريح للرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي في نيسان 2022، قال فيه إنّ أوكرانيا "لن تكون سويسرا بعد الحرب… بل بالتأكيد ستصبح إسرائيل كبيرة بوجهها الخاص"، وهو تصريح أعاد إطلاق نقاش واسع في الأوساط السياسية والإعلامية حول ما إذا كانت أوكرانيا تستهدف بناء نموذج أمني–اقتصادي جديد يتجاوز إعادة إعمار ما دُمّر.


وأوضح زيلينسكي حينها أنّ القصد من كلامه هو أنّ أوكرانيا بعد الحرب لن تستطيع العودة إلى "الحياد الأوروبي الهادئ"، بل ستتحول إلى دولة أمنية دائمة التعبئة، فيها حضور عسكري قوي في الحياة اليومية، على غرار النموذج الإسرائيلي.


ومع دخول الأزمة إلى مرحلة امتداد طويل وربحي في البنى الأمنية والاقتصادية، يطرح السؤال حول مدى واقعية هذا التشبيه، ومن هم الأطراف المستفيدون من تبنيه.


ويُستخدم تعبير "إسرائيل كبيرة" كتشبيهٍ يشير إلى دولة محاصَرة أمنياً منذ تأسيسها، لكنها طورت منظومة دفاعية متقدمة، وقدرة على استخدام التكنولوجيا والتعبئة الداخلية، واقتصاداً مختلطاً ذا طابع عسكري–تكنولوجي، إضافة إلى كونها مركزاً للاستثمار والمشاريع الدفاعية.


ومن هذا المنظور، يرى محللون أنّ أوكرانيا بعد الحرب قد تسعى لتبنّي نموذج أمني–اقتصادي مشابه، يضع الأمن القومي في الصدارة، ويحوّل البلاد إلى مركز جذب استثماري بعد الحرب، غير أنّ الدراسات الأكاديمية تؤكد أنّ التشبيه بين الدولتين يبقى محدوداً بحدود الواقع والاختلافات البنيوية.


وفي هذا السياق، خلصت ورقة بحثية للباحث بوريس غينزبيرغ من جامعة "برلين الحرة" بعنوان "أوكرانيا ما بعد الحرب: نوع من إسرائيل الكبرى في أوروبا؟" إلى أنّه رغم وجود تشابهات بين أوكرانيا وإسرائيل، فإنّ أوكرانيا لا يمكن أن تنظر إلى نفسها كـ"إسرائيل الأوروبية" بسبب اختلافات جوهرية في التاريخ والجغرافيا والبنية الأمنية والاعتمادات الخارجية.


وذكرت الورقة أنّ إسرائيل دولة نووية وذات قوة عسكرية مستقلة، بينما تعتمد أوكرانيا بشكل كبير على الضمانات والمساندة الخارجية، كما تواجه تحديات بنيوية كضعف الحوكمة وصعوبات جذب الاستثمارات ودمار البنية التحتية، ما يجعل الانتقال إلى النموذج الإسرائيلي أمراً غير مضمون.


وتشير تحليلات سياسية وإعلامية متعدّدة إلى أنّ استخدام عبارة "إسرائيل جديدة" أو "إسرائيل كبيرة في أوروبا" عند الحديث عن مستقبل أوكرانيا لا يعني مشروعاً سياسياً أو دينياً لإقامة كيان موازٍ، بل تشبيهاً وظيفياً يصف نموذج دولة أمنية متقدمة تعتمد على الردع والتعبئة والتكنولوجيا العسكرية.


وتتفق مراكز فكر أميركية وأوروبية، مثل Atlantic Council وCEPA وCEPS، على أنّ المقصود هو تعزيز القدرات العسكرية الذاتية لأوكرانيا، وتطوير صناعة دفاعية محلية، وإقامة منظومات مراقبة وتجنيد شاملة، مع استمرار تلقي الدعم الغربي دون انضمام فوري إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).


وبالمقابل، يرى محللون روس، خاصة في منصات مثل Regnum وTsargrad وRIA FAN، أنّ هذا التوجّه يهدف إلى تحويل أوكرانيا إلى رأس جسر عسكري وأمني دائم في أوروبا الشرقية، على غرار الكيان الإسرائيلي في الشرق الأوسط، بما يخدم الاستراتيجية الغربية ضد روسيا.


وتذهب هذه التحليلات إلى أنّ الهدف هو خلق دولة وظيفية تخدم المصالح الغربية، كما تفعل إسرائيل في الشرق الأوسط، مشيرةً في الوقت نفسه إلى أن بعض الخطابات الإعلامية تربط بين النفوذ المالي اليهودي في أوكرانيا وظهور هذا التشبيه الرمزي، من دون وجود أدلة عملية على مشروع استيطاني أو خطة لإقامة كيان ديني.


ويؤكد الخبراء أنّ هذا التشبيه يُستخدم كخطاب تعبوي وسياسي، لا كتصميم فعلي لنموذج دولة جديدة على النمط الإسرائيلي.


كما لا توجد أي وثائق أو تسريبات أو خطط سياسية موثوقة تتحدث عن إقامة "إسرائيل بديلة" في أوكرانيا أو عن استيطان منظّم لليهود فيها، وكل ما نُشر في بعض المقالات أو المنتديات حول "خطة استيطان كبرى" أو "نقل المشروع الصهيوني إلى أوروبا" يبقى في إطار نظريات غير مدعومة بأدلة رسمية.


وتشير المراكز البحثية الروسية الجادة، مثل RIAC وIMEMO RAN، إلى عدم وجود أي مشروع بهذا الاسم أو المعنى.


وعليه، فإنّ عبارة "إسرائيل الجديدة" في أوكرانيا هي استعارة سياسية وإعلامية ترمز إلى دولة عالية التسلح، دائمة الجاهزية، ذات شراكة أمنية خاصة مع الغرب، واقتصاد يقوم على التكنولوجيا والعسكرة، لكنها ليست مشروعاً دينياً أو بديلاً لإسرائيل في أوروبا.


ومع ذلك، تثير الفكرة قلقاً روسياً مشروعاً، لأنّها تعني بالنسبة لموسكو ظهور دولة عسكرية عدوانية على حدودها، بدعمٍ أميركي–أوروبي طويل الأمد.


ويحمل التشبيه بين أوكرانيا و"إسرائيل كبيرة" قيمة تحليلية، إذ يشير إلى رغبة كييف في بناء دولة ذات قدرات أمنية عالية وجاذبية استثمارية، لكنه لا يعكس واقعاً فعلياً أو خطة واضحة، فالفوارق العميقة في البنية الأمنية والاقتصادية تجعل تطبيق هذا النموذج محدوداً.


ومع ذلك، يرى المراقبون أنّ الأطراف الغربية والمستثمرين والحكومة الأوكرانية تسير باتجاه تحوّل كبير، ليس بالضرورة نحو "إسرائيل كبيرة"، لكن نحو دولة أمنية أكثر بطشاً واستقراراً واقتصادٍ أكثر انفتاحاً.


ومن المنظور الروسي، ما يجري في أوكرانيا يستحق المتابعة الدقيقة، لأنّ النموذج الذي تُبنى عليه الدولة الأوكرانية بعد الحرب سيُحدّد مستقبل شرق أوروبا، وسيكون له تأثير استراتيجي بالغ.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة