للمرة الأولى في تاريخ العلاقات الأميركية – الإسرائيلية، تكرّس إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب جزءًا كبيرًا من رصيدها السياسي لإجبار وقف إطلاق النار في غزة على الصمود، في ظلّ توجّس عميق من سلوك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي تتهمه واشنطن بـ"نزعة عدوانية جامحة" قد تُفجّر الاتفاق.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، فإن البيت الأبيض أنشأ سلطة إدارية موازية في القدس لا تبعد كثيرًا عن مقرّ إقامة نتنياهو، تضم جنرالات ومسؤولين كبارًا من الإدارة الأميركية، تحت غطاء "تنسيق العمليات في غزة"، لكن وظيفتها الفعلية مراقبة تحركات نتنياهو العسكرية والسياسية والتأكد من التزامه بشروط الهدنة التي وُقعت في 10 تشرين الأول.
تُعدّ هذه الخطوة سابقة دبلوماسية فريدة تعبّر عن تراجع الثقة الأميركية بقدرة نتنياهو على ضبط تصرفاته، إذ تؤكد مصادر مطلعة أن ترامب أصدر تعليمات مباشرة تقضي بانتزاع القرار الأمني الإسرائيلي من يد نتنياهو ووضعه تحت إشراف أميركي مباشر.
وقالت الصحيفة إنّ إدارة ترامب تخشى أن يُعرّض نتنياهو اتفاق وقف إطلاق النار للخطر، مشيرةً إلى أنّ الغارات الإسرائيلية الأخيرة على رفح ومناطق عدة في القطاع، والتي أودت بحياة العشرات من الفلسطينيين، أثارت قلقًا بالغًا في واشنطن.
وفي الوقت الذي تتحدث فيه أوساط دبلوماسية عن مخاوف من خروقات متبادلة للاتفاق، ترى مصادر أميركية أنّ التهديد الأكبر يأتي من داخل إسرائيل نفسها، بسبب نفوذ اليمين المتطرف الذي يضغط على نتنياهو لاستئناف الحرب.
وأكد التقرير أنّ الولايات المتحدة منحت تل أبيب مساحة محدودة للتحرك عسكريًا "فقط في حال حصول خروقات واضحة"، وهو ما حدث فعليًا في 28 تشرين الأول عندما استأنفت إسرائيل عملياتها العسكرية تحت مبرر "الدفاع عن النفس"، في ظلّ تبرير أميركي حذر لم يخفِ القلق من عودة الحرب الشاملة.
نقلت شبكة "سي إن إن" عن المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" عاموس هاريل قوله: "قواعد اللعبة تُكتب الآن، والولايات المتحدة هي من تدير الأمور، فيما تلتزم إسرائيل بها. لن يعترف نتنياهو بذلك، لكنه رهن جزءًا من استقلال بلاده للرقابة الأميركية المباشرة".
وفي المقابل، عبّر مسؤولون إسرائيليون سابقون، بينهم رئيس الأركان الأسبق غادي آيزنكوت، عن قلقهم من اتساع النفوذ الأميركي داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، معتبرين أنّ ما يحدث "يشكل قيدًا على سيادة الجيش في اتخاذ القرار".
يأتي ذلك في ظلّ محاكمة نتنياهو بتهم فساد منذ عام 2020 تشمل الرشوة، وتلقي هدايا فاخرة، والتلاعب بالتغطية الإعلامية، ما جعله ـ بحسب مراقبين ـ يستخدم الحرب في غزة كأداة لتأجيل محاكمته وإعادة ترتيب تحالفاته الداخلية.
ويرى الرئيس ترامب أنّ محاكمة نتنياهو تهدد فرص السلام في المنطقة، إذ كتب في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي: "دعوا بيبي يرحل، لديه مهمة كبيرة!"
وفي زيارته الأخيرة إلى تل أبيب، دعا ترامب الرئيس الإسرائيلي إلى منح العفو لنتنياهو، معتبراً أنّ محاكمته قد تدفعه إلى التمسك بالحرب وعرقلة الجهود الأميركية لإنهائها.
وتكشف مصادر دبلوماسية أنّ ترامب أصدر في حزيران أوامر مباشرة إلى سلاح الجو الإسرائيلي بسحب طائرات كانت تستعد لقصف أهداف إيرانية، كما تدخّل في أيلول لوقف عمليات جوية ضد غزة، وطلب من نتنياهو الاعتذار إلى قطر بعد غارة فاشلة في الدوحة.
ويرى المراقبون أن هذه التدخلات المتكررة تعبّر عن نهج جديد في إدارة العلاقة الأميركية – الإسرائيلية، حيث تسعى واشنطن إلى فرض انضباط سياسي على الحكومة الإسرائيلية بما يخدم رؤية ترامب لإنهاء الحرب وتوسيع اتفاقيات أبراهام نحو تسوية أوسع في الشرق الأوسط.