مثّلت وزيرة الشؤون الاجتماعية حنين السيّد، رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، في أعمال القمّة العالمية الثانية للتنمية الاجتماعية (Qatar 2025)، التي تستضيفها دولة قطر بمشاركة قادة دول ووزراء ومنظمات دولية، لبحث سبل تعزيز العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة ومكافحة الفقر وعدم المساواة.
وخلال القمّة، شاركت الوزيرة السيّد في الندوة الرفيعة المستوى التي نظّمتها وزارة الشؤون الاجتماعية اللبنانية بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي (WFP) بعنوان: "من الأزمة إلى الصمود: نحو نظام وطني مرن للحماية الاجتماعية في زمن الحرب في لبنان"، حيث استعرضت التجربة اللبنانية في تفعيل نظم الحماية الاجتماعية خلال الأزمات، وتعزيز الشراكة بين الدولة والجهات المانحة لتأمين استجابة مستدامة وشاملة للأسر الأكثر تضررًا.
وفي كلمتها أمام الجلسة العامة، أكدت السيّد أنّ لبنان يقف اليوم عند تقاطعٍ بين الأزمة الاجتماعية والصمود الوطني، مشددة على أنّ التنمية والسلام مترابطان لا ينفصلان، وأنّ تحقيق العدالة الاجتماعية يبدأ بإرساء الاستقرار والسيادة وبناء مؤسسات الدولة القادرة والعادلة.
وقالت: "يشرف لبنان أن يخاطب هذه القمّة العالمية بعد ثلاثين عامًا على قمة كوبنهاغن، في وقتٍ يذكّرنا فيه العالم مجددًا بأن التنمية الاجتماعية والسلام مترابطان". وأضافت أنّ المبادئ التي أرستها قمة 1995 — من القضاء على الفقر وتعزيز الإدماج الاجتماعي وتوفير العمل الكريم — ما زالت في صميم أولويات لبنان، لكنها تواجه اليوم تحديات متزايدة بفعل النزاعات والنزوح واتساع الفجوات الاجتماعية والتداعيات المناخية.
وأشارت إلى أنّ لبنان شهد واحدة من أسوأ الانهيارات الاقتصادية في التاريخ الحديث، تفاقمت بسبب جائحة كورونا، وانفجار مرفأ بيروت، والاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة على لبنان، التي قوّضت أسس الاستقرار، وهو الشرط الأساس للتنمية.
ودعت السيّد، من على منبر القمّة، إلى الوقف الفوري للهجمات على الأراضي اللبنانية واحترام السيادة الوطنية وحق الشعب اللبناني في العيش بأمن وكرامة، مؤكدة أنّه "من دون سلام لا يمكن أن يقوم استقرار، ومن دون استقرار تبقى العدالة الاجتماعية بعيدة المنال".
ولفتت إلى أنّ لبنان استضاف لأكثر من 13 عامًا أكثر من مليون ونصف نازح سوري، وهي من أعلى نسب النزوح في العالم قياسًا بعدد السكان، ما شكّل ضغطًا كبيرًا على البنى التحتية والخدمات العامة، داعية المجتمع الدولي إلى الانتقال من المساعدات الطارئة إلى الاستثمار الطويل الأمد في تعافي لبنان وتنميته.
وشددت الوزيرة على أنّ حكومة الإصلاح والإنقاذ جاءت بمهمة واضحة تتمثل في الدفاع عن السيادة، واستعادة الثقة بالدولة، ووضع الإصلاح في صلب عملية التعافي الوطني، من خلال:
أولاً: إعادة بناء دولة القانون والمؤسسات القادرة، والتزام لبنان الكامل بقرار مجلس الأمن 1701، وحصر السلاح بيد الدولة.
ثانياً: تنفيذ إصلاح إداري ومالي واسع يشمل إعادة هيكلة الإدارة العامة وتفعيل الرقابة واستقلالية القضاء، واستكمال التحقيقات في قضايا الفساد وانفجار مرفأ بيروت.
ثالثاً: التفاوض مع المؤسسات المالية الدولية لوضع إطار جديد لتحقيق الاستقرار الاقتصادي مع حماية الإنفاق الاجتماعي.
رابعاً، دعم النمو المنتج والشامل في قطاعات الزراعة والصناعة والطاقة والمياه، وتشجيع ريادة الأعمال لدى الشباب والنساء.
خامساً، تعزيز رأس المال البشري والحماية الاجتماعية عبر ضمان التعليم للجميع وتطوير النظام الصحي وتأمين أرضية حماية اجتماعية شاملة تشمل كبار السن وذوي الإعاقة والعاطلين عن العمل.
كما جددت السيّد تأكيد التزام لبنان المساواة بين الجنسين وتمكين الشباب وحماية البيئة، مشيرة إلى أنّ التمويل يشكّل تحديًا أساسيًا لكنه أيضًا فرصة لإعادة التفكير في آليات تمويل التنمية بشكل أكثر استدامة عبر خيارات تمويل وطنية مبتكرة وتحسين الجباية الضريبية وتفعيل الشراكات مع القطاع الخاص.
وختمت بالتشديد على أنّ "رسالة لبنان واضحة: لا تنمية مستدامة من دون سلام، ولا سلام من دون عدالة"، معلنة دعم لبنان الكامل لاعتماد إعلان الدوحة السياسي، وداعية إلى تركيز تنفيذه على أولويات ثلاث: إعادة بناء السلام والاستقرار، الاستثمار في الأنظمة الوطنية التي تحمي الناس، وضمان أن تتحوّل التضامنات الدولية إلى دعم فعلي ومنتظم للدول التي تواجه الأزمات.
وختمت السيّد كلمتها بالقول: "لقد كان لبنان دائمًا في طليعة الدول التي تتحمّل مسؤولياتها الإنسانية، ونحن اليوم ماضون في طريق الإصلاح بثبات، مصمّمون على استعادة ثقة المواطنين بالدولة، وبناء علاقة جديدة مع المجتمع الدولي على أسس من الشفافية والمسؤولية، آملين في دعم سياسي ومالي من أصدقاء لبنان وشركائه لمساندتنا في تنفيذ أجندتنا التنموية القائمة على السلام والعدالة وكرامة الإنسان".