المحلية

محمد المدني

محمد المدني

ليبانون ديبايت
الأربعاء 24 كانون الأول 2025 - 07:01 ليبانون ديبايت
محمد المدني

محمد المدني

ليبانون ديبايت

السجن ابتلع "أبو عمر"… والخوف ابتلع النواب

السجن ابتلع "أبو عمر"… والخوف ابتلع النواب

"ليبانون ديبايت" - محمد المدني

لم يعد ملف الأمير الوهمي "أبو عمر" قضية احتيال يمكن طيّها مع مرور الوقت، بل تحوّل إلى مرآة فاضحة لجزء من الممارسة السياسية في لبنان. فالرجل موجود في الحجز منذ شهر تشرين الأول، أي أنّ كل الذرائع المرتبطة بالخوف من نفوذه أو بقدرته على التأثير سقطت بالكامل. ومع ذلك، لا دعوى قضائية، ولا مراجعات رسمية، ولا حتى محاولة سياسية جدّية للفصل بين من ادّعى أنّه ضحية، وبين حقيقة من تعاطى وراهن وسوّق.

السؤال الذي يفرض نفسه اليوم ليس عن هوية المحتال، بل عن سبب الصمت المريب لمن قيل إنهم وقعوا في فخّه. ففتح أي مسار قضائي لا يعني ملاحقة شخص موقوف أصلًا، بل فتح صندوق كامل من الوقائع، اتصالات، وسطاء، وعود، وإيحاءات، ومحاولات تسويق لما سُمّي في حينه "تفويضًا خارجيًا". عند هذه النقطة تحديدًا، تسقط رواية الضحية، ويبدأ الحديث عن المسؤولية السياسية والأخلاقية، لا عن الخداع فقط.


هذا الصمت لا يمكن قراءته كحرص على الاستقرار أو على سمعة الدولة، بل كخوف من الحقيقة. فالحقيقة هنا ليست تفصيلًا قضائيًا، بل سؤالًا سياسيًا جوهريًا، كيف يمكن لنائب أو مسؤول أن يبرّر تعاطيه مع شخص بلا أي صفة رسمية أو دبلوماسية؟ وكيف يُستخدم اسمه لتبرير أدوار أو طموحات أو اصطفافات، ثم يُصار إلى إنكار ذلك عند انكشاف الوهم؟


في هذا السياق، يتجاوز "أبو عمر" شخصه ليصبح رمزًا لثقافة سياسية مأزومة، لا تزال تبحث عن إشارة من الخارج، ولو كانت وهمية، لتكريس أدوار داخلية. ثقافة تعتبر أنّ الشرعية تُستورد، لا تُبنى، وأنّ النفوذ يُمنح عبر قنوات ملتبسة لا عبر الناس والمؤسسات. لذلك، يصبح الصمت خيارًا دفاعيًا، لا دفاعًا عن العدالة، بل عن السيرة السياسية لمن تورّط أو سكت أو انتفع.


المفارقة أنّ المحتال اليوم خلف القضبان، فيما القلق الحقيقي يسكن خارج السجن. فالقضاء، إن فُتح له الباب، لن يكتفي بسؤال ماذا فعل المحتال، بل سيسأل لماذا صُدِّق، ومن استخدمه، ومن صمت اليوم لأنّ الكلام سيكشف أكثر مما يحتمل. عندها، يتحوّل الصمت من موقف إلى إدانة، ومن محاولة حماية إلى اعتراف غير معلن.


في النهاية، قد يؤجَّل الانفجار السياسي بالصمت، لكنّه لا يُلغى. فالحقيقة، مهما طال احتجازها، لا تموت. وفي بلدٍ اعتاد تسويات على حساب المحاسبة، يبقى أخطر ما في هذه القضية ليس ما كُشف، بل ما يُراد طمسه.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة