"ليبانون ديبايت" - فادي عيد
أقرّت الحكومة أخيراً مشروع القانون المُدمَج بين تنظيم لوجستيات الإنتخابات النيابية وتعليق المادة 112، إفساحاً في المجال أمام غير المقيمين للتصويت من أماكن إقامتهم في دول العالم كافة للنواب الـ128. وسيُحال المشروع إلى مجلس النواب لإقراره وتحويله إلى قانون نافذ يُعمَل بتعديلاته في الإنتخابات المقبلة.
وتكمن أهمية ما قامت به الحكومة، بحسب مصدر نيابي معني، في ثلاثة جوانب أساسية:
الأول، مارست الحكومة دورها الدستوري بمناقشة وإدخال التعديلات المطلوبة على قانون الإنتخابات، بعدما رفض رئيس مجلس النواب الإستجابة لرأي الأكثرية النيابية، وامتنع، خلافاً للدستور والأعراف، عن وضع الإقتراح المعجّل المكرّر لإلغاء المادة 112 على جدول أعمال الهيئة العامة لإقراره، أو إحالته على اللجان.
الثاني، أظهرت الحكومة من خلال إقرارها مشروع القانون المُدمَج حرصها على تحمُّل مسؤولياتها، ورفضها لممارسات تتعارض مع الدستور، ما كان سيشوِّه صورتها لدى الرأي العام ومصداقيتها في أداء دورها.
الثالث، أقرّ كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة القول بالفعل، فأثبتا أن التزامهما بالدستور ونصوصه وآلياته هو التزام فعلي وعملي، كما أكدت الأكثرية الوزارية تمسّكها بالدستور، فأصرّت على وضع مشروع القانون على طاولة الحكومة وإقراره بالتصويت بعدما تعذّر التوافق، وهو ما كان مفقوداً في مراحل سابقة، حين هيمن فيها "الثنائي الشيعي" وحلفاؤه على القرارات الحكومية.
ويرى المصدر النيابي، أن الرئيس بري لم ينجح في جعل الحكومة شريكة له في تعطيل الدستور ومنع غير المقيمين من التصويت في دوائر نفوسهم للنواب الـ128، ولم ينجح أيضاً في تحويل مسؤولية ذلك إلى الحكومة، كما لم تنجح محاولته تشتيت الإنتباه عن دوره في مخالفة الدستور والنظام الداخلي لمجلس النواب.
وأمام تأكيد الحكومة، من خلال إقرار مشروع القانون، رفضها إبقاء لبنان في زمن الإحتلال والوصاية، يعتبر المصدر، أن رئيس المجلس ملزم دستورياً اليوم بالدعوة إلى جلسة عامة لمناقشة مشروع القانون المُرسَل من الحكومة، وعدم الدعوة تحت أي عذر أو حجّة، يعني إصراره ليس فقط على حرمان غير المقيمين من حقهم في التصويت، بل على مخالفة الدستور ونصوصه وآلياته، الأمر الذي يجب مواجهته والتصدّي له بكل الوسائل السياسية والقانونية، على قاعدة أنه "إذا كان الإختلاف في الرأي حق، فإن مخالفة الدستور أكثر من خطأ".
وفي موازاة الملف الإنتخابي، يشير المصدر النيابي، إلى البيان الذي كانت قد أصدرته السفارة الأميركية في بيروت، والذي أكدت فيه أن "الولايات المتحدة ستمنع حزب الله من تهديد لبنان والمنطقة، وستواصل استخدام كل أداة متاحة لضمان عدم تشكيل الحزب تهديداً للشعب اللبناني أو المنطقة على نطاق أوسع". وكان سبق هذا البيان التصعيدي مواقف تصعيدية للموفد الأميركي توم براك، ركّز فيها على عدة جوانب أساسية أولها أن "لبنان دولة فاشلة، وثانيها، أنه لم يعد أمام لبنان المزيد من الوقت، وعليه أن يحصر السلاح سريعاً بيد الدولة، أمّا ثالثها، أن لا مشكلة بين لبنان وإسرائيل إذا تم نزع سلاح الحزب".
ويرى المصدر، أن الجانب الأول توصيفي لواقع الحال، إذ إن الدولة التي لا تتحمّل مسؤوليتها ولا تمارس دورها في بسط سيادتها واحتكار القوة هي، وبالتعريف، دولة فاشلة. في حين أن براك، يحاول من خلال مواقفه، حثّ المسؤولين على ممارسة صلاحياتهم الدستورية بغية نقل الدولة من حالة الفشل إلى النجاح، علماً أن المدخل الأساسي لذلك، هو تنفيذ اتفاق الطائف والقرارات الدولية واتفاق 27 شرين الثاني وقرار الحكومة في 5 آب، خصوصاً أن الظروف المحلية والخارجية باتت مهيأة لتنفيذ ما لم ينفّذ حتى الآن.
أما بالنسبة للجانب الثاني، فهو تحذيري من المماطلة والتباطؤ والمراوحة، لأنه في حال لم تسارع الدولة في تنفيذ نصوصها المرجعية، فإن الحرب الثانية الكبرى، بعد حرب أيلول 2024، قد تكون حتمية، وستؤدي إلى خسائر فادحة، من الواضح أن لبنان في غنىً عنها، ويدعو براك إلى التقاط الفرصة الأخيرة قبل فوات الأوان.
والجانب الثالث، هو تطميني للبنانيين، إذ يؤكد أن مشكلة إسرائيل مع لبنان تكمن في وجود قوة عسكرية خارج سلطة الدولة تشكل تهديداً لأمنها، وبمجرد أن تبسط الدولة اللبنانية سيطرتها على أرضها، تنتفي أسباب المواجهة بضمانة أميركية، ويُعاد العمل باتفاقية الهدنة.
وخلاصة كلام براك واضحة، بحسب المصدر، الذي يكشف أنه إذا أرادت الدولة أن تبقى فاشلة، فيعني أن الضربة حتمية، وإذا كانت الدولة لا تريد أن تسمع، وتفضِّل الحرب على مواجهة مع "الحزب" في حال قرّرت تنفيذ نصوصها المرجعية، وقد تكون من الدول النادرة التي تترك المبادرة بيد فريق غير شرعي، فتبسط سلطتها في حال قرّر التخلّي عن سلاحه. أمّا "الحزب"، وعلى الرغم من إدراكه لجدّية التحذيرات الأميركية والإستعدادات الإسرائيلية المتسارعة للحرب الثانية، فهو أيضاً "لا يريد أن يسمع".