في هذا السياق، يقرأ الخبير الاقتصادي أحمد جابر في حديثٍ إلى "ليبانون ديبايت" ملامح حرب مالية ممنهجة تُدار بأدوات اقتصادية ومؤسسات دولية، تستهدف البنية المالية والاجتماعية اللبنانية، بعدما فشلت الحروب العسكرية في تحقيق أهدافها السياسية.
وأكد جابر أنّ "الحرب دائمًا لها وجوه عدّة، فبعد الحرب التقليدية التي كانت تُمارس على لبنان بالسلاح عبر الاعتداءات أو الحروب الإسرائيلية، انتقل الضغط على لبنان إلى شكلٍ آخر من الحروب، هو الحرب الاقتصادية والمالية".
وأوضح جابر أنّ "كل حرب تُشنّ على لبنان تكون لها أهداف محدّدة، وعندما تفشل الحرب العسكرية في تحقيق هذه الأهداف، تُستبدل بأدوات مختلفة، أبرزها الأدوات المالية والاقتصادية"، معتبرًا أنّ "لبنان اليوم يواجه حربًا مالية تُشنّ عليه من قِبل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والخزانة الاميركية من خلال فرض عقوبات على افراد ومؤسسات، تتهمهها بالعمل لصالح حزب الله، وذلك لتحقيق الأهداف ذاتها التي سعت إليها الحرب العسكرية الإسرائيلية، إنما بوسائل وأدوات جديدة".
وأضاف جابر: "نعم، هناك حرب مالية على لبنان، يحاول من خلالها البعض التضييق على القرض الحسن وتجفيف مصادر أموال حزب الله كما يُتداول، رغم ان القرض الحسن تمكّن من الحفاظ على أموال المودعين والناس، في حين فشلت المصارف التجارية في حماية ودائع المواطنين أو ضمانها".
وفي حديثه عن الاقتصاد النقدي، شدّد جابر على أنّ "الاقتصاد النقدي بات يقود الحركة الاقتصادية حاليًا، إذ إنّ التبادل النقدي بين التجار والمواطنين يؤمّن استمرارية جزئية للدورة التجارية"، لافتًا إلى أنّ "الاقتصاد المصرفي يبقى الركيزة الأساسية لأي حركة اقتصادية سليمة ومنظمة، لكن دوره تراجع بنسبة تقترب من مئة في المئة نتيجة احتجاز أموال المودعين وتجميد التسليفات والاستثمارات".
وأوضح أنّ "تقلّص دور المصارف التجارية أثّر بشكل كبير على الثقة بها، ما انعكس سلبًا على الدورة التجارية والاقتصادية ككل"، مشددًا على أنّ "المطلوب اليوم هو إعادة تفعيل الاقتصاد المصرفي والحدّ من توسّع الاقتصاد النقدي، لأن الأول يوفّر بيئة اقتصادية صحية ومنظمة، فيما الثاني يترك آثارًا سلبية على تتبّع الأموال وعلى الجوانب الضريبية والجمركية وغيرها".
وقال جابر إنّ "دور المصارف يقوم على استقبال الودائع وتحويلها إلى تسليفات واستثمارات، لكن هذا الدور غاب بالكامل في المرحلة الراهنة. وعندما تستعيد المصارف هذا الدور، يمكن للحركة الاقتصادية أن تعود تدريجيًا إلى طبيعتها، شرط إعادة بناء الثقة بين المودعين والمصارف".
ولفت إلى أنّ "استعادة الثقة تحتاج إلى إجراءات عملية، من أبرزها إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وزيادة رساميل المصارف، ووضع خطة مالية واضحة تضمن إعادة أموال المودعين وفق آلية مدروسة وعادلة".
وشدد جابر على أنّ "هذه الخطوات كفيلة بإعادة الحياة إلى القطاع المصرفي ودوره الفاعل في الاقتصاد الوطني، ما يحدّ تلقائيًا من تنامي الاقتصاد النقدي، الذي يشكّل اليوم تحديًا ماليًا وضريبيًا للدولة"،موضحاً أنه هناك مطلب دولي واضح في هذا الاتجاه، إذ تُعدّ مكافحة الاقتصاد النقدي واحدة من أبرز الإصلاحات المطلوبة من لبنان ضمن أي خطة نهوض مالي واقتصادي".