مع خطته الجديدة المؤلفة من 28 بندًا لإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، يعيد الرئيس الأميركي دونالد ترامب طرح رؤيته التي تعتبر أنّ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لا يمتلك "القدرة" على مواصلة القتال، وأنّ عليه القبول بتسوية تميل بوضوح لصالح موسكو.
ويقول ترامب، الذي لم يُظهر احترامًا كبيرًا لزيلينسكي منذ ولايته الأولى، إنه يتوقع أن يقدّم الرئيس الأوكراني جوابًا على الخطة بحلول الخميس المقبل. وكان ترامب قد صرّح الجمعة: "سيتعين عليه الموافقة عليها"، قبل أن يعتمد خطابًا أكثر ليونة في اليوم التالي بقوله: "أود أن أحقق السلام". وأضاف أمس السبت: "نحاول إنهاء هذه الحرب. بطريقة أو بأخرى، علينا أن ننهيها".
وبعد ساعات على تصريحات ترامب، قال أعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي، الذين ينتقدون نهجه، إنهم تحدثوا مع وزير الخارجية ماركو روبيو، الذي أبلغهم بأنّ خطة السلام المطروحة ليست الاقتراح الفعلي لواشنطن، بل "قائمة أمنيات" روسية. ووصف متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية هذا الادعاء بأنه "كاذب"، فيما أكد روبيو لاحقًا أنّ الخطة أعدّتها الإدارة الأميركية بالفعل، ما أثار المزيد من التساؤلات حول مصيرها.
وفي ظلّ فضيحة فساد داخل حكومته، وانتكاسات ميدانية، واقتراب شتاء قاسٍ جديد مع استمرار القصف الروسي لشبكة الطاقة، قال زيلينسكي إن أوكرانيا "تواجه الآن ربما أصعب خيار في تاريخها".
العلاقة بين زيلينسكي وترامب متوترة منذ البداية. ولم يتحدث الزعيمان منذ إعلان الخطة، إلا أنّ زيلينسكي قال إنه يتوقع اتصالاً قريبًا. ومن المرجح أن تكون المكالمة حلقة جديدة في سلسلة المحادثات الصعبة بينهما على مدى السنوات الماضية.
ففي عام 2019، حاول ترامب الضغط على زيلينسكي للكشف عن معلومات تُضر بالرئيس السابق جو بايدن قبل الانتخابات الأميركية، ما أدى إلى أول محاكمة عزل لترامب. وجعل ترامب من موقف بايدين الداعم لأوكرانيا قضية محورية في حملته عام 2024، متعهّدًا بإنهاء الحرب سريعًا.
وفي وقت سابق من هذا العام، وخلال اجتماع في المكتب البيضاوي، انتقد ترامب ونائبه جيه دي فانس زيلينسكي لما وصفاه بـ"نقص الامتنان" للمساعدات الأميركية التي تجاوزت 180 مليار دولار، ما أدى إلى تعليق مؤقت لتلك المساعدات.
بعد الكشف عن خطة ترامب، يضغط البيت الأبيض على كييف للموافقة على تنازلات واسعة، تشمل:
التخلي عن كامل منطقة دونباس لصالح روسيا،
تقليص كبير في حجم الجيش الأوكراني،
التزام أوروبي بعدم قبول أوكرانيا في الناتو نهائيًا.
وقال زيلينسكي في خطاب مصوّر الجمعة: "قد تجد أوكرانيا نفسها أمام خيار صعب جدًا… إمّا فقدان الكرامة، أو خطر فقدان شريك رئيسي".
وتتمحور خطة ترامب حول تسليم دونباس بالكامل، رغم أن أجزاء واسعة من المنطقة لا تزال تحت السيطرة الأوكرانية. ويقدّر محللو معهد دراسات الحرب أن روسيا تحتاج سنوات للاستيلاء عليها بالكامل وفق وتيرة تقدّمها الحالية.
لكن ترامب يصرّ على أنّ خسارة المنطقة "أمر واقع". وقال في مقابلة مع "فوكس نيوز": "سيخسرون في فترة قصيرة… إنهم يخسرون الأرض".
وقدّم وزير الجيش الأميركي دان دريسكول خطة ترامب رسميًا إلى زيلينسكي في كييف الخميس الماضي. وتفاجأ موظفو دريسكول بالزيارة لأنهم لم يكونوا على علم بها إلا قبل ساعات. وأفاد مسؤول أميركي أن الجانب الأوكراني تعامل مع الاقتراح كنقطة انطلاق قابلة للتعديل.
ولم يتضح مدى استعداد ترامب لتوسيع التفاوض. لكن المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت قالت إن الخطة "تعكس الواقع وتقدّم أفضل سيناريو يمكن للطرفين القبول به".
يقول الخبير السياسي في جامعة شيكاغو، كونستانتين سونين، إن ترامب "يجيد رصد نقاط ضعف الناس". وتشمل خطة ترامب بندًا يدعو إلى إجراء انتخابات خلال 100 يوم من دخول الاتفاق حيّز التنفيذ، معتبرًا أنّ الضغط على زيلينسكي أكبر مما هو على بوتين.
ويرى سونين أنّ حكومة زيلينسكي "قد تنهار إذا وافق على الاقتراح الأميركي".
وفي ساحة المعركة، تظهر علامات إرهاق متزايدة في الجانب الأوكراني بعد سنوات من القتال ضد جيش روسي أكبر وأفضل تجهيزًا، وسط استمرار الهجمات الجوية التي تضرب البنية التحتية الحيوية، بما فيها شبكة الكهرباء.
وتواجه كييف كذلك شكوكًا حول تمويلها المستقبلي، خصوصًا مع اهتزاز الخطة الأوروبية لتمويل موازنتها عبر قروض تستند إلى أصول روسية مجمّدة.
وفق المؤرخ العسكري في جامعة كورنيل، ديفيد سيلبي، تتضمن خطة ترامب بنودًا "تمسّ بعمق الكرامة الأوكرانية"، مثل:
إلغاء الإجراءات التمييزية،
ضمان حقوق التعليم والإعلام باللغتين الأوكرانية والروسية،
حظر ما تصفه الخطة بـ"الأيديولوجيات النازية".
وقد يعتبر الجانب الأوكراني هذا البند تعزيزًا لرواية بوتين التاريخية لتبرير غزو 2022، حيث استخدم خطاب "نزع النازية" لتصوير أوكرانيا كتهديد.
وفي الواقع، حصل مرشحو اليمين المتطرف في انتخابات أوكرانيا البرلمانية عام 2019 على 2% فقط، وهي نسبة أقل مما تحققه أحزاب يمينية في دول أوروبية عدة.
وقال سيلبي إنّ الخطة "تعطي ثقلاً لرواية بوتين حول الهوية الروسية داخل أوكرانيا… ولا أعتقد أن زيلينسكي قادر على قبول صفقة كهذه والعودة لمواجهة جمهوره".