المحلية

عبدالله قمح

عبدالله قمح

ليبانون ديبايت
الأربعاء 26 تشرين الثاني 2025 - 07:12 ليبانون ديبايت
عبدالله قمح

عبدالله قمح

ليبانون ديبايت

سقوط نظرية "تحييد الضاحية"

سقوط نظرية "تحييد الضاحية"

"ليبانون ديبايت"-عبدالله قمح


كافة المعطيات والمناخات تشير إلى أن لبنان عاد ليدخل أجواء الحرب مجدداً. فإسرائيل، التي اغتالت، الأحد، أحد أبرز القادة العسكريين في حزب الله، هيثم الطبطبائي، في الضاحية الجنوبية، كانت في الوقت نفسه تغتال مساراً سياسياً كاملاً بدأ يتبلور منذ أسابيع.


ومثلما يحمل الاغتيال أبعاداً عسكرية واضحة، فإنّ له أيضاً دلالات سياسية عميقة. فقد علمتنا التجارب الجديدة مع إسرائيل أنها تنتقي أهداف الاغتيال وتوقيته بدقة، وتلجأ إليه عند تقاطع حساس ومفصلي للانتقال بمنسوب التصعيد من مرحلة إلى أخرى.


هذا ما حصل قبل تصعيد 27 أيلول 2024، حين رفعت إسرائيل مستوى عملياتها مستهدفة الضاحية وشخصيات في المقاومة عبر الاغتيال.


فعلياً، نشهد اليوم مرحلة مشابهة نظرياً. آنذاك، كان المبعوث الأميركي السابق عاموس هوكشتين يؤكد لبيروت أنها "محيدة" عن أي قصف أو استهداف، قبل أن تقدم إسرائيل بعد أيام، في 30 تموز، على اغتيال المسؤول العسكري الأول في الحزب فؤاد شكر.


جاء اغتيال شكر في لحظة كانت تشهد فيها إسرائيل ارتقاءً عسكرياً، وللقطع أمام أي حل كان يُبحث لبنانياً مع هوكشتين.

والمفارقة أن الدولة وحزب الله لم يقتنعا حينها بأن إسرائيل تتجه نحو التصعيد وصولاً إلى الحرب، خلافاً لما هو حاصل اليوم حيث يعتبر الطرفان أننا أمام موجة تصعيد آتية.


وليس أسلوب إسرائيل في قطع مسارات التفاوض جديداً. ففي مرحلة التفاوض التي سبقت 27 أيلول من العام الماضي، وبعد إقناع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بمضمون الورقة الأميركية – الفرنسية، وتبلور تفاهم لوقف إطلاق النار قائم على فصل المسارات مع غزة لاسيما بعد ضربتي "البيجر" واغتيال قادة "الرضوان"، وفيما كانت الاستعدادات جارية لوقف النار، أوعز رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو من نيويورك باغتيال نصرالله، ما أجهض المسار ورفع التصعيد إلى مستوى الحرب.


الأمر نفسه تكرر حين كان زعيم حركة حماس، خليل الحية، وفريقه يناقشون في الدوحة المقترحات الأميركية لوقف إطلاق النار في غزة. فأصدر نتنياهو أوامره بشن غارات على مقر اجتماعهم هناك، بهدف القضاء عليهم وإفشال المسار السياسي. وقبل ذلك، قتلت إسرائيل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية الذي شكل لسنوات المفاوض الأبرز عن الحركة.


واليوم، في لحظة كان فيها المسار السياسي نشطاً بين بيروت وعدة عواصم عربية وغربية، وكانت الاتصالات جارية للبحث عن صيغة تُجمّد الضربات الإسرائيلية على لبنان وحزب الله، وجّهت تل أبيب، وبشكل واضح، ضربة إلى عمق الضاحية الجنوبية باغتيال أحد أبرز القادة العسكريين في الحزب.


يعيد اغتيال الطبطبائي الضاحية إلى المربع الأول، ويُسقط معها نظرية تحييدها عن الضربات، سواء عبر الاغتيالات أو الإستهدافات الأخرى على شكل ضرب المنازل.


عملياً، نشأت هذه النظرية مع دخول الحكومة اللبنانية لاعباً أساسياً في مواجهة حزب الله عبر قرارات "حصر السلاح" الصادرة عن مجلس الوزراء.

حينذاك، قررت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إفساح المجال للحكومة لتنفيذ قراراتها عبر الطلب من إسرائيل تحييد الضاحية. أما اليوم، ومع الاقتناع الخارجي بأن الحكومة غير قادرة على تطبيق قراراتها، تعود إسرائيل لتتقدم تحت شعار "تولي تنفيذ ما تعجز عنه الحكومة اللبنانية!".


الأنظار تتجه الآن نحو حزب الله بوصفه "وليّ الدم" وما ينوي فعله.


من الواضح أن اغتيال الطبطبائي انعكس اضطراباً في خطابات مسؤوليه لاسيما بعد حادثة الإغتيال، ما استدعى بياناً من العلاقات الإعلامية لإعادة تنظيم الموقف.


وخلافاً للسوابق، تجنّب البيان التلميح إلى أي ردّ عسكري كما أنه ربط ما جرى بسياق لبناني بحت، ما فُهم على أنه استمرار في اعتماد "سياسة الاحتواء" رغم حدة الضربات. لكنه في المقابل، أوعز لنائب رئيس المجلس التنفيذي لديه الشيخ علي دعموش بتقديم الرد السياسي، من زاوية أن للاغتيال هدفاً سياسياً أيضاً. فأعلن دعموش خلال تشييع الطبطبائي ورفاقه، باسم الحزب أنه "غير معني بأي طروحات ما دام العدو لا يلتزم باتفاق وقف إطلاق النار".


شكل الكلام رداً واضحاً على المسار المفتوح. زهكذا يُخرج حزب الله نفسه من أي إطار تفاوضي، مباشر أو غير مباشر. فالحزب يعتبر أن مشاركة أي من مسؤوليه "غير مضمونة" المعنى أو الجدوى، ما دام لا أحد يملك القدرة على انتزاع اعتراف إسرائيلي بالمسار السياسي أو ضمانه.


ويقول الحزب بوضوح إنه غير مستعد لبحث أي ملف "تحت النار" وفي ظل التهديدات والإغتيالات. وفي مضمون موقفه، دعوةٌ إلى إعادة النظر في "التظمينات الأمنية" التي عُرضت عليه للذهاب بعيداً في مناقشة المقترحات. فبعد الاغتيال، بات الحزب يعتبر تلك "التطمينات" مجرد عمليات خداع، أو على الأقل لا توفر حماية لأي شخصية تُقترح للاضطلاع بدور تفاوضي مع أي جهة.


وخلال الأسابيع القليلة الماضية، كانت الوفود الخارجية من عرب وأجانب تتقاطر إلى بيروت لفتح كوة في جدار النقاش مع الحزب. وللمرة الأولى، جرى التفاوض بشكل شبه مباشر مع مسؤولين فيه، تحت أنظار الدولة اللبنانية وبحضور شخصيات أمنية رسمية. الجانب السيئ في المشهد أنّ التفاوض يُدار على حساب الدولة، لا عبرها أو معها كما كان يفترض، ما اعتُبر نوعاً من الإجراء العقابي بحقها.


في المقابل، تبدو إيران لاعباً مركزياً في كل ما يجري. فللمرة الأولى بعد الاغتيالات والهجمات ذات الطابع الأمني التي عانى منها الحزب عام 2024، يصدر بيان إدانة لقصف الضاحية وإغتيال الطبطبائي عن السفارة الايرانية في بيروت بعد وقت قصير من حصوله، فيما كان الحزب والجميع منهمكاً في رفع الأنقاض. بعدها كرّت السبحة على شكل مواقف - تهديدات من جانب الحرس الثوري الايراني وصولاً لأمين المجلس الأعلى للامن القومي الايراني علي لاريجاني.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة