ويعتبر جابر أن تعيين مدني في الميكانيزم مطلب أميركي، إلا أنه لا ينتقص من حق لبنان، رغم إصرار لبنان على أن تكون المفاوضات أمنية وعسكرية، فيما يُدخل تعيين مدني المسار إلى منحى آخر، بمعنى دفع الأمور نحو مفاوضات سياسية يرفضها لبنان.
ويقول جابر، كمراقب، إنه إذا كان تعيين مدني يحل المشكلة ويدفع إسرائيل إلى الجلوس إلى الطاولة التي كانت ترفض الجلوس إليها، فلا بأس من تعيين مدني كرئيس للوفد اللبناني، ما دمنا على الطاولة برعاية فريق ثالث.
لكنه يتوقف عند ما تحاول إسرائيل تصويره منذ اليوم الأول على أنه اجتماع مفاوضات مباشرة، حتى إن بعض مسؤوليها بدأ الحديث عن مفاوضات اقتصادية، مستغربًا هذه الاندفاعة نحو الموضوع الاقتصادي قبل وقف العدوان على لبنان، معتبرًا أن الأمر مرفوض جملة وتفصيلًا عبر القفز إلى هذا المستوى من الطلبات الإسرائيلية.
ويرى أنه من الضروري أن يتنبه لبنان لهذا الأمر، مشيرًا إلى أنه لا يعرف أي شيء عن سيمون كرم سوى أنه كان سفيرًا، ومتسائلًا — في ظل ما يُحكى عن ميوله السياسية — عن موقف جمهور المقاومة من آرائه، إذ يعتبر البعض أنه معادٍ لخط المقاومة، ولذلك من الراسخ أنهم يتحسسون من تعيينه، لكن برأيه "العبرة بالنتائج".
ولفت إلى أن كرم يجب أن يكون ممثلًا للبنان بأسره وليس لفئة معينة بحكم موقعه الرسمي اليوم، لكنه لا يخفي أنه كان يفضّل شخصًا يعرفه مثل بول سالم، رغم الانتقادات التي تطال والده إلياس سالم الذي كان وزيرًا للخارجية في اتفاق 17 أيار، إلا أنه — بحسب جابر — لم يتصرّف يومًا إلا لمصلحة لبنان. لكن القرار، في النهاية، يعود إلى الأميركي "المحرّك الرئيسي للمفاوضات"، ولذلك تم إرضاؤهم بسيمون كرم.
ويفترض بجابر أن يكون كرم على تواصل دائم مع الرؤساء الثلاثة يوميًا، حتى لا تذهب المفاوضات إلى مسارات لا يريدها لبنان.
وبخصوص ما رَشَح عن شروط إسرائيلية لإنشاء منطقة عازلة يفترض الحصول على إذن من الميكانيزم للدخول إليها، يوضح جابر أن المنطقة العازلة كانت موجودة في حقبة تاريخية معينة وتُعتبر منطقة عسكرية، وكان الدخول إليها يتم عبر تصريح من الجيش اللبناني لغير سكان المنطقة. لكن وضعها تحت إمرة الميكانيزم يشكل انتقاصًا فاضحًا من سيادة لبنان على أراضيه، وأن تخلي لبنان عن شبر واحد من أرضه هو بمثابة "خيانة عظمى".
ولا يمانع جابر قيام تسوية لحفظ أمن لبنان، ويمكن — إذا كانت هناك ثقة بالدولة اللبنانية والجيش اللبناني — تحديد منطقة عسكرية خاضعة لسيطرة الجيش اللبناني لا يُسمح بدخولها إلا بترخيص منه. لكن المنطقة العازلة تضم العديد من القرى من القطاع الشرقي إلى القطاع الغربي، وهي ملاصقة للحدود، فكيف يمكن أن لا تكون تحت السيادة اللبنانية؟ ولا يجب القبول بذلك من أي مفاوض لبناني.
أما عن مدى التشابه اليوم مع مرحلة اتفاق 17 أيار، فيعتبر جابر أن الإسرائيلي يتصرف على هذا الأساس، لكن الظروف مختلفة؛ ففي تلك المرحلة كانت بيروت محتلة والجنوب بأكمله تحت السيطرة الإسرائيلية، وجرت المفاوضات في منطقة خلدة. أما اليوم فالوضع مختلف، فإسرائيل لم تصل إلى هذه المناطق، ولم تستطع البقاء في الجنوب لولا اتفاق وقف إطلاق النار، وبالتالي لا تستطيع فرض شروطها، وإن كانت تعتبر نفسها منتصرة.
ورغم أن لبنان في مأزق اليوم، إلا أن وضع رئيس الوزراء الإسرائيلي ليس أفضل، إذ يعيش ضغطًا داخليًا كبيرًا ويحاول تحقيق مكاسب في الداخل على حساب لبنان. ويرى جابر أنه إذا فكّر بشن حرب على لبنان، فالهجوم سيقتصر على الجو، أما الهجوم البري فلن ينجح لأن المقاومين لن يسمحوا له بذلك. ويتحسّر على قبول لبنان بوقف إطلاق النار، لأن إسرائيل — برأيه — لم تدخل إلى لبنان إلا بعد هذا الاتفاق، لذلك فلا خوف من اجتياح بري، فالتفوّق الإسرائيلي في الجو أو في الذكاء الاصطناعي لا يمنحها تفوقًا على الأرض، والدليل أنها لم تتمكن حتى الساعة من الوصول إلى أسلحة الحزب.