بعد المصادقة الرسمية على نتائج الانتخابات العراقية، يدخل الإطار التنسيقي للأحزاب الشيعية مرحلة بالغة الحساسية في مسار تشكيل الحكومة الجديدة، وخصوصًا في ملف اختيار رئيس الوزراء، وسط تباينات سياسية واضحة وتجاذبات داخلية متصاعدة.
وتشير المعطيات إلى أن الأسماء المتداولة، وفي مقدمها محمد شياع السوداني ونوري المالكي، لن تحسم في الاجتماع المرتقب، ما يعكس حجم الانقسام داخل القوى السياسية وغياب أكثرية مريحة. ويأتي ذلك في ظل تعقيدات دستورية وأمنية واقتصادية، تجعل عملية اختيار الرئاسات الثلاث – رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان ورئاسة الحكومة – مسارًا شائكًا يتطلب توافقًا بين المكونات الشيعية والسنية والكردية.
وفي هذا السياق، أكد الباحث في الشؤون السياسية والأمنية نجم القصاب، في حديث إلى "غرفة الأخبار" على "سكاي نيوز عربية"، أن أي كتلة سياسية فائزة لا تمتلك القدرة على حسم المناصب منفردة، موضحًا أن الشخصيات التي تمثل الكتل الفائزة، سواء الشيعية بقيادة محمد شياع السوداني، أو السنية بقيادة محمد الحلبوسي، أو الكردية بقيادة مسعود البرزاني، لا يمكنها تولي المناصب أو طرح أسماء من دون توافق سياسي شامل.
وأضاف القصاب أن هذا الواقع يُستغل أحيانًا في تضليل الناخب العراقي، الذي قد يشعر بأن خياراته الانتخابية لم تنعكس على المشهد السياسي الفعلي.
وأشار إلى أن المرحلة المقبلة قد تشهد تبدلًا في طبيعة التدخل الخارجي مقارنة بالمراحل السابقة، مع تراجع ملحوظ في النفوذ الإيراني مقابل تصاعد الدور الأميركي والغربي، ما يجعل حسم منصب رئيس الوزراء مرتبطًا بالتوافق مع القوى الخارجية إلى جانب التفاهمات المحلية.
ولفت القصاب إلى أن معظم الفصائل التي كانت ترفع شعار المقاومة باتت اليوم جزءًا من العملية السياسية، في حين تراجع دور الفصائل الأخرى التي تفتقر إلى الغطاء السياسي أو الاقتصادي. وأضاف أن التحولات الإقليمية، ولا سيما في سوريا ولبنان وفلسطين واليمن، أسهمت في تقليص قدرة إيران على ممارسة نفوذها التقليدي، مؤكدًا أن طهران تحاول الموازنة بين التفاوض مع الولايات المتحدة والحفاظ على مصالحها داخل العراق.
وشدد على أن المعادلة المقبلة تختلف عمّا سبق، إذ يُفترض أن يكون رئيس الوزراء المقبل قريبًا من الولايات المتحدة من دون أن يتخذ موقفًا عدائيًا من إيران، مع ضرورة مراعاة مصالح القوى السياسية المحلية.
وأكد القصاب أن العراق يواجه أزمات مالية حادة ونقصًا في السيولة، مشيرًا إلى أن قدرة الحكومة المقبلة على تجاوز هذه التحديات تبقى مرتبطة بالدعم الغربي، ولا سيما الأميركي، إلى جانب دول الخليج وبعض الدول الإقليمية.
وأضاف أن تسريع عملية اختيار الرئاسات الثلاث يتطلب تنازلات سياسية وقدرة على قراءة الواقع الاقتصادي بدقة، محذرًا من أن الإخفاق في ذلك قد يدفع البلاد نحو مرحلة طويلة من التعثر.
وأشار الباحث إلى استمرار المشاورات حول أسماء رئيس الوزراء المحتملين، حيث لا تزال شخصيات مثل محمد شياع السوداني وطارق العبادي وحميد الشطري مطروحة، لافتًا إلى أن مختلف القوى السياسية تسعى إلى ضمان نفوذها في الوزارات السيادية، وفي مقدّمها النفط والخارجية والمالية، محذرًا من الاعتقاد بأن هذه الاستحقاقات قد حُسمت سلفًا.