في هذا الإطار، ترى رئيسة الهيئة اللبنانية للعقارات، المحامية أنديرا الزهيري لـ"ليبانون ديبايت"، أنه "لا شك أن تداعيات انهيار المباني أو أجزاء منها، وخصوصًا تلك التي كانت عرضة بشكل مباشر أو غير مباشر للعدوان الذي لحق لبنان في الحرب الأخيرة، هي معلومة نعرفها، لكن الهيئة كانت حريصة منذ البداية، في مطالباتها المتكررة على مدى أكثر من عشر سنوات، على مناشدة البلديات للقيام بمسح ميداني للأبنية القديمة وحتى التراثية منها، نظرًا لأسباب عدة منطقية لا تخفى على أحد، مشيرة إلى أن الانطلاقة كانت بزيارة بلديات عدة، منها طرابلس وبيروت وجونيه والبقاع".
وأوضحت الزهيري أنه "قد أُنجزت إحصاءات بمبادرات فردية، تراوح عدد المباني فيها بين 16 ألفًا و18 ألفًا موزعين على جميع الأراضي اللبنانية، وكانت أعلى النسب في محافظة بيروت ومنطقة طرابلس والشمال، مؤكدة أن أكثر التحذيرات التي ناشدت بها تعود إلى الأبنية القديمة التي غابت عنها الصيانة الدورية بسبب قوانين الإيجارات القديمة، أو بسبب تعرضها للإصابات المباشرة من قذائف وأسلحة خلال الحروب السابقة، مشيرة إلى أن هذه الأبنية لم تكن خاضعة بعد لمراسيم ما تُعرف بمراسيم السلامة العامة".
وذكرت الزهيري أن "المشهد اليوم اختلف، وتغيرت أنواع الأسلحة، وتغير المناخ، وساءت الظروف الاجتماعية والاقتصادية، مضيفةً أننا نواجه أزمة جديدة لمسلسل انهيار المباني، حتى وإن كانت جديدة أو شُيّدت وفق معايير السلامة العامة، إذ أن الحرب الأخيرة التي استُخدمت فيها أسلحة تعتبر ممنوعة دوليًا نظرًا لخطورتها وقوتها، لم يعد هناك أي ضمان لبقاء أي بناء، قديمًا أو جديدًا، صلبًا أو مسلحًا، أمامها. وإن صمد البناء، فإن التلوث الناتج عن المواد المستخدمة هزّ التربة، مما جعلها هشة وغير قابلة للصمود، ناهيك عن تصدعات الخرسانات والأعمدة".
وأضافت الزهيري أن "من الملّح والإصرار عدم التهاون بأي بناء متضرر، لأن تداعيات الانهيار لن تقتصر على موقع البناء وشاغليه فقط، بل ستمتد على الأبنية الملاصقة من مؤسسات وإدارات رسمية وغير رسمية، بما فيها التربوية، مشددةً على عدم نسيان المناطق التي ما زالت تعاني من الانهيارات الجزئية والكلية نتيجة عوامل الزمن والحروب السابقة، بالإضافة إلى التغيرات المناخية، مثل انجراف التربة وتفتت الصخور".
ولفتت إلى "الأرقام التقريبية للخسائر المادية، فتقرير البنك الدولي (DaLA / RDNA) يقدّر الأضرار المباشرة للمنشآت بحوالي 3.4 مليار دولار، مع تكلفة إجمالية شاملة للضرر الاقتصادي أكبر بكثير".
وفيما يلي أمثلة على الأضرار حسب المناطق وفق الزهيري:
-طرابلس: أظهرت مسوح بلدية طرابلس أرقامًا متبدلة؛ مسح 2022 سجّل 236 مبنى مهددًا قبل الهزات/الأحداث اللاحقة، ثم في أغسطس 2023 قالت البلدية إنها حددت بين 800–1,000 مبنى مهدد بعد الزلزال والأحداث اللاحقة، مما يوضح كيف تتغير الأرقام بسرعة بحسب الأحداث والمسوح الميدانية.
-الجنوب والحدود الجنوبية(بنت جبيل، مرجعيون، صور، صيدا ومحيطها): تعرضت لعمليات قصف متكررة، ما أحدث أضرارًا واسعة في المباني والبنى التحتية، بحسب ما ذكرت الزهيري.
-الضاحية الجنوبية لِبيروت: ذكرت التقارير أضرارًا واسعة نتيجة الحملات الجوية والبرية.
-مرتفعات صور والمدن الساحلية الجنوبية: تضررت مواقع تراثية وتجمعات سكنية كما ذكرت تقارير التراث.
-شمال بيروت وطرابلس: طرابلس خاصة لديها عدد كبير من المباني القديمة وضعيفة البنية، وأظهرت أرقام البلدية عن المباني المهددة بالانهيار زيادة بعد الزلازل، مع تقارير منظمات حقوق الإنسان عن سكن غير آمن، وفق الزهيري.
موجز أرقام المناطق الأكثر استهدافًا بحسب الزهيري:
-جنوب لبنان ومحافظة النبطية: من 240,445 مبنى، أظهر حوالي 16% علامات ضرر، أي نحو 38,859 مبنى، منها نحو 19,377 مبنى (8%) تعرضت لأضرار شديدة تُقارب حالة الانهيار أو التهالك الكبير.
-الضاحية الجنوبية لمحيط بيروت: سجل تقرير فلاش من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) 353 مبنى مُدمّر كليًا، 593 مبنى متضرّر بشدة، بالإضافة إلى آلاف المباني التي تحمل أضرارًا متوسطة أو طفيفة، بحسب ما أوضحت الزهيري.
-البقاع / بعلبك-الهرمل: سجلت محافظتا البقاع وبعلبك-الهرمل على التوالي حوالي 464 و566 مبنى مدمّر/متضرّر ضمن الفترات التي غطاها التحديث.
وشدّدت الزهيري على أن "الفحص يجب أن يتم بواسطة مهندسين وفنيين بطريقة مدروسة وبعناية، ولا ينبغي الاستخفاف بالأعداد المذكورة، حتى وإن اختلفت بين تقرير وآخر. ومن المؤكد أن عشرات الآلاف من المباني متضررة على مستوى لبنان، مع آلاف المباني المتضررة بشدة أو المدمّرة في الجنوب، النبطية، الضاحية الجنوبية، وقطع من البقاع وطرابلس. وهناك أمثلة رقمية، حيث يوجد نحو 19,000 مبنى تعرض لأضرار شديدة في الجنوب/النبطية، و353 مبنى مُدمّر و593 مبنى تضرّر بشدة في الضاحية الجنوبية، إلا أنه لا توجد أرقام نهائية نتيجة استمرار العدوان، ولو بشكل متفرق".
وختمت الزهيري بالتأكيد على "وجوب الإسراع في الكشف والمعاينة والتأكد من سلامة كل مبنى على حدة، وإرفاق التقارير لكل حالة، نظرًا لما سبق ذكره من أسباب وأرقام دقيقة".