عمليًا، إنّ حصر السلاح شمال الليطاني وامتدادًا حتى جنوب نهر الأُولى يحقق لإسرائيل ما تريده بالحدّ الأدنى، وهو إبعاد التهديد المباشر عن حدودها الشمالية، وضبط الجبهة التي تُقلقها أمنيًا. أمّا ما يقع شمال الأُولى، فهو بنظرها "داخل لبناني"، لا يعنيها ما دام لا يشكّل خطرًا عسكريًا عليها، لكن هنا تحديدًا تبدأ المعضلة اللبنانية.
فالسلاح، بدل أن يُنزع، يُعاد تموضعه. وبدل أن تُستعاد الدولة، تُدار الأزمة. والجنوب يُفرغ من عناصر الاشتباك الخارجي، فيما الداخل يُترك مكشوفًا على فوضى السلاح وتوازنات الأمر الواقع. فنصبح أمام دولة منقوصة السيادة، مشلولة القرار، عاجزة عن بسط سلطتها، ومهيّأة دائمًا للاهتزاز من الداخل.
هذا النموذج يخدم إسرائيل أكثر مما يخدم لبنان. فالدولة الضعيفة، المنقسمة والغارقة في ازدواجية السلاح، أقل خطرًا من دولة مستقرة تمتلك قرار الحرب والسلم. والفوضى الداخلية، مهما كانت مؤلمة للبنانيين، أقل كلفة استراتيجيًا من مواجهة دولة قوية ذات سيادة كاملة.
والمفارقة أنّ الخطاب الرسمي يقدّم ما يجري على أنه "تقدم"، فيما هو في جوهره تسوية أمنية جزئية تطمئن الخارج وتترك الداخل معلّقًا. فلا السلاح نُزع، ولا الدولة قامت، ولا السيادة اكتملت. بل جرى ترسيم حدود غير معلنة، جنوبها ممنوع من السلاح الثقيل، وشمالها متروك للاختلال في اي لحظة.
إذاً، الخطر الحقيقي لا يكمن فقط في السلاح، بل في القبول باستمراره مجتزأً. لأن أي حل لا ينتهي بحصرية السلاح بيد الدولة على كامل الأراضي اللبنانية، هو حل مؤقت وقابل للانفجار عند أول منعطف سياسي أو إقليمي.
فلبنان لا يُبنى بنزع سلاح يُرضي إسرائيل ويُبقي الداخل رهينة. ولا تُستعاد الدولة بإجراءات تُدير الأزمة بدل أن تُنهيها، فالسيادة لا تتجزأ، والدولة إمّا أن تكون كاملة أو لا تكون.