في سياقٍ لا يزال يتفاعل منذ سنوات، أعادت وزارة العدل الأميركية فتح واحدة من أكثر القضايا حساسية في الرأي العام العالمي، مع نشر دفعات جديدة من ملفات الملياردير الأميركي جيفري إبستين، وهي خطوة كان يُفترض أن تعزّز الشفافية، لكنها سرعان ما تحوّلت إلى مصدر صدمة وغضب لدى عدد من الناجيات، بعدما كُشفت هوياتهن في وثائق متاحة للجمهور.
وفي هذا الإطار، أُصيبت إحدى الناجيات التي فضّلت تعريف نفسها باسم "جين دو" بالذهول عندما تبيّن لها أن اسمها ورد مرّات عدّة في ملفات إبستين التي نشرتها وزارة العدل الأميركية، الجمعة الماضي.
وقالت جين دو، في مقابلة مع سي إن إن، إن محاولاتها المتكررة لإقناع الوزارة بحذف اسمها من الوثائق المتاحة للعامة باءت بالفشل حتى الآن.
وأضافت أنها شهدت بنفسها اعتداءات إبستين في عام 2009، وأبلغت مكتب التحقيقات الفيدرالي بتجربتها في العام نفسه، وهي فترة تكتسب أهمية خاصة كونها جاءت بعد إقرار إبستين بذنبه في تهمتين تتعلقان بالدعارة في ولاية فلوريدا، إثر حصوله على اتفاق عدم ملاحقة قضائية مع المدعين الفيدراليين.
وأوضحت جين دو أنها تواصلت مع مسؤولي وزارة العدل خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، وأبلغتهم بأن معلوماتها لم تُنقّح، وفق مراسلات إلكترونية صادرة عن الوزارة، حيث ردّ أحد المسؤولين بأنه سينقل رسالتها إلى الفريق المعني بالوثائق وعمليات التنقيح. غير أنها تابعت الأمر لاحقًا لتؤكد أن اسمها لا يزال ظاهرًا في ملفات إبستين، وبقي كذلك في عدة مواضع حتى يوم أمس الإثنين.
وفي موازاة ذلك، عبّرت جين دو عن استيائها الشديد من فشل وزارة العدل في تنقيح اسمها وأسماء ناجيات أخريات، مشيرة إلى أنها تطالب منذ سنوات بالحصول على ملفها لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي. واعتبرت أن هذه التجربة برمّتها قوّضت ثقتها بقدرة الوكالة على حماية الضحايا الحاليين والمستقبليين ممن قد يتقدّمن للإبلاغ عن الانتهاكات.
وحذّرت من أن ما جرى قد يردع فتيات أخريات من ضحايا إبستين عن التواصل مع السلطات الأميركية والاعتراف بما تعرّضن له، قائلة: "الأمر لا يقتصر عليّ وعلى ما حدث معي. أنا خائفة على الفتيات الصغيرات اللواتي يتواصلن مع مكتب التحقيقات الفيدرالي الآن طلبًا للمساعدة".
وفي تطوّر متصل، كانت جين دو واحدة من أكثر من 12 ناجية، إلى جانب أفراد من عائلة الضحية الراحلة فيرجينيا جوفري، أصدرن بيانًا مشتركًا أمس الإثنين، أعربن فيه عن مخاوفهن من طريقة نشر وزارة العدل للملفات.
وأكد البيان وجود "حذف غير طبيعي ومفرط من دون أي تفسير"، وترك بعض هويات الضحايا مكشوفة، "ما تسبب بضرر حقيقي وفوري"، لافتًا إلى أن البحث عن مواد تتعلق بتجاربهن بات "صعبًا أو شبه مستحيل".
وعقب نشر الوثائق، نقلت شبكة سي إن إن أن الناجين يواجهون صعوبات تقنية ومضمونية في تصفّح ما يُعرف بـ"مكتبة إبستين" الإلكترونية التابعة للوزارة، ويعجزون عن العثور على معلومات تخص قضاياهم. وجاء في البيان المشترك: "لم يتم التواصل مع الناجين أو ممثليهم بشأن ما تم حجبه أو سبب عدم الكشف عن مئات الآلاف من الوثائق قبل المهلة القانونية، أو الآليات المعتمدة لمنع الكشف الخاطئ عن أسماء ضحايا آخرين".
وفي السياق نفسه، قالت جيس مايكلز، إحدى الناجيات والكاتبة الرئيسية للبيان، في مقابلة مع سي إن إن، إن طريقة تعامل وزارة العدل مع الإفراج عن الملفات "تمثل عكس الشفافية تمامًا"، مضيفة: "لم يتواصل معنا أحد، ونريد إنصاف الناجين. فلنتحاور حول هذا الأمر. الأمر واضح وضوح الشمس، وزارة العدل انتهكت القانون".
وتعيد هذه التطورات تسليط الضوء على الأثر السياسي والاجتماعي العميق لفضيحة إبستين، التي لا تزال تطرح أسئلة محرجة حول أداء المؤسسات الأميركية، وحماية الضحايا، وحدود الشفافية، في وقت يُتوقع أن تستمر تداعيات القضية على الثقة العامة بالسلطات، وعلى النقاش الأوسع المتعلق بالمساءلة والعدالة في قضايا الاعتداءات والانتهاكات ذات البعد العابر للنفوذ والسلطة.