"ليبانون ديبايت"
إن انسحاب وزراء القوات اللبنانية من جلسة مجلس الوزراء أمس قبيل التصويت على مشروع قانون "الفجوة المالية"، لا يمكن قراءته كخطوة إصلاحية بقدر ما هو محاولة مكشوفة للمزايدة السياسية وتسجيل موقف شعبوي في لحظة حسّاسة.
فالانسحاب، مهما علت نبرته، لا يُنتج حلاً، ولا يحمي المودعين، ولا يقدّم بديلاً عمليًا، بل يكتفي بالاعتراض من خارج دائرة القرار.
من حق أي فريق سياسي أن يرفض مشروع قانون يراه مجحفًا أو ناقصًا، لكن هذا الحق يفقد معناه عندما لا يُرفق بطرح واضح ومتكامل. الاعتراض وحده لا يكفي، والسؤال الذي يفرض نفسه: ما هو الحل الذي تقترحه "القوات" لمعالجة الفجوة المالية؟ أين المشروع البديل؟ أين الأرقام؟ وأين الآلية التي تضمن حقوق المودعين ضمن جدول زمني ملزم؟
الأكثر إشكالية أن هذا السلوك يأتي من فريق سبق أن رفع لواء "الإصلاح" في ملفات تنفيذية أساسية، وفي مقدّمها ملف الكهرباء. "القوات" طالبت علنًا وعلى مدى سنوات بتسلّم وزارة الطاقة، واعتبرت نفسها القادرة على كسر الاحتكار وإنهاء الهدر وتأمين الكهرباء للمواطنين. لكن التجربة العملية لم تُنتج أي اختراق فعلي، لا كهرباء 24 ساعة، لا خفض في الكلفة، ولا إصلاح بنيوي في القطاع. فإذا كان هذا الملف المزمن، والمحدّد، والواضح الأدوات، قد فشل في تحقيق أي إنجاز ملموس، فكيف يمكن إقناع اللبنانيين بالقدرة على إدارة أعقد أزمة مالية في تاريخ لبنان؟
المشكلة ليست في رفع الصوت، بل في غياب المسؤولية السياسية. إدارة الأزمات الوطنية لا تُقاس بحدّة المواقف ولا بعدد الانسحابات، بل بالقدرة على البقاء داخل المؤسسات، ومواجهة الوقائع، وتقديم حلول قابلة للتنفيذ. أما تحويل ملف "الفجوة المالية" إلى منصة للمزايدة، فهو هروب من جوهر النقاش الحقيقي، من يتحمّل الخسائر، وكيف تُوزَّع بعدالة، ومتى تُستعاد الودائع، وبأي ضمانات قانونية.
المودعون لا يحتاجون إلى بيانات ولا إلى استعراضات سياسية، بل إلى قرارات واضحة وخطط مكتوبة ومسؤولية مشتركة. ومن يرفض قانونًا، عليه أن يضع قانونًا بديلاً. ومن يعارض مسارًا، عليه أن يقترح مسارًا آخر. أمّا الاكتفاء بالاعتراض من خارج السلطة، فيما التجربة داخلها لم تقدّم نموذجًا ناجحًا، فلا يبني ثقة ولا ينقذ اقتصادًا ولا يؤسّس لدولة.