"ليبانون ديبايت" - محمد علوش
أعاد تقرير إسرائيلي حديث فتح واحد من أكثر الأسئلة حساسية في مشهد ما بعد التحولات السورية، طارحاً تساؤلاً حول ما إذا كان يمكن أن تلتقي قوى لطالما وُضعت في خانات متناقضة عند تقاطع مصلحة واحدة، ولو مؤقتاً؟ التقرير، الصادر عن مركز أبحاث إسرائيلي، لا ينطلق من معطيات حقيقية بقدر ما يعكس قراءة قلِقة لاحتمالات تتشكل في فراغ سياسي وأمني واسع، أحدثه صعود النظام السوري الجديد وتبدّل قواعد الاشتباك في سوريا والمنطقة.
جوهر الطرح الإسرائيلي يقوم على فكرة أن العداء المشترك للنظام السوري الجديد قد يدفع أطرافاً متباعدة، كحزب الله وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، إلى نوع من التفاهم التكتيكي، أو على الأقل إلى فتح قنوات تواصل غير معلنة، وذلك ليس لأن بين الطرفين قواسم فكرية أو سياسية مشتركة، بل لأن لحظة التحول تفرض على الجميع إعادة تموضع.
في قراءة حزب الله للمشهد السوري، لا ينحصر القلق في هوية السلطة الجديدة، بل في ما تمثّله من تهديد مباشر للتوازنات التي استقرت خلال سنوات الحرب، إذ أن سوريا بالنسبة للحزب هي العمق الاستراتيجي، وأي تغيير جذري في بنيتها السياسية أو الأمنية ينعكس تلقائياً على معادلاته في لبنان والمنطقة.
أما بالنسبة لقوات سوريا الديمقراطية، فهي تجد نفسها اليوم مجدداً أمام اختبار وجودي، فالنظام الجديد لا يخفي عداءه لأي صيغة حكم ذاتي، والدعم الأميركي بات محكوماً بحسابات متقلبة، فيما تشكّل تركيا جداراً صلباً بوجه أي طموح كردي على اعتبار أن ذلك يؤثر على أمنها القومي، ولذلك قد يصبح البحث عن قنوات غير تقليدية، حتى مع أطراف كانت تُصنّف سابقاً كخصوم، خياراً اضطرارياً.
بالواقع، فإن الحزب في لبنان لا يبحث عن شريك في مشروع سياسي كردي، كما أن الأكراد لا يرون في الحزب مظلة استراتيجية طويلة الأمد، وبالتالي ما يمكن أن يجمع الطرفين، إن صحّ ذلك بحسب وجهة النظر الإسرائيلية، هو الرغبة في منع النظام الجديد من تثبيت سيطرته الكاملة على الجغرافيا السورية، وهذا على عكس ما تم مناقشته بين الحزب وتركيا.
هنا تحديداً تدخل تركيا إلى المشهد، فأنقرة التي تخوض صراعاً مفتوحاً مع الأكراد، وتتغنّى بعلاقتها مع دمشق، تحركت باتجاه الحزب وإيران، وفتحت الباب أمام التواصل بين الحزب والنظام السوري الجديد، وما تُريده هو ضبط نزاع أو إدارة مرحلة، بحيث طمأنت الحزب وإيران بخصوص نوايا الشرع تجاههما، وتُريد منهما بالمقابل ألا يدعما أي تحركات انفصالية في سوريا، تحديداً في الساحل السوري. فأي مصلحة للحزب اليوم في التنسيق مع قسد وقطع التواصل مع تركيا؟
الحزب معني اليوم بتخفيف الضغط عن خاصرته السورية، ومنع تشكّل سلطة معادية بالكامل على حدوده الاستراتيجية، وتركيا تُريد استثمار كل “تعبها” على الساحة السورية، والمشترك بين الطرفين هو “رفض المشروع الإسرائيلي”، وبالتالي فإن تركيا قد تكون اليوم أكثر أهمية للحزب من “قسد”، دون أن يعني ذلك إقفال أبواب التواصل، إن وُجدت، بينهما.
أي علاقة تقارب بين مكونات المنطقة تشكّل قلقاً لإسرائيل، التي ترى في تواصل الحزب وقسد مشكلة، وتواصل الأتراك والحزب والإيرانيين مشكلة، ووجود نظام أحمد الشرع نفسه مشكلة، وبالتالي فهي تُريد دائماً فصل الجميع وتقسيمهم وإدخالهم في صراعات لا تنتهي، وهكذا تحقق غاياتها وأهدافها ورؤيتها ومصالحها.
كذلك فإن هذا التقرير في هذا التوقيت قد يكون سببه رغبة إسرائيلية في تخريب علاقات حزب الله بتركيا، والتي شهدت منذ أيام تطورات ملحوظة لا شكّ أنها تحت “العين” الإسرائيلية، وبالتالي من مصلحة إسرائيل تخريب هذا النوع من التواصل، بل ومن مصلحتها أن يحصل التصادم بين القوات السورية واللبنانيين على الحدود.