في ظلّ مرحلة سياسية جديدة تشهدها دمشق منذ تولّي الرئيس أحمد الشرع مهامه، عاد المسار السوري–الإسرائيلي إلى واجهة الاهتمام الإقليمي والدولي، وسط مقاربات مختلفة تجمع بين الاعتبارات الأمنية والحسابات السياسية الأوسع. فالعلاقة بين الجانبين، التي لطالما اتّسمت بالتوتر والجمود منذ عقود، تبدو اليوم محكومة بمحاولات اختبار إمكان الانتقال من إدارة الصراع إلى ضبطه، ولو ضمن حدود ضيّقة، في ظل تغيّر موازين القوى وتبدّل أولويات اللاعبين الدوليين.
وفي هذا السياق، أفاد مصدر سوري مقرّب من الرئيس أحمد الشرع بأن المحادثات الجارية بين إسرائيل وسوريا حول اتفاق أمني "أحرزت تقدّمًا كبيرًا في الأسابيع الأخيرة"، مرجّحًا إمكان التوقيع عليه قريبًا.
وقال المصدر لقناة آي 24 نيوز الإسرائيلية إن هذا الاختراق يعود إلى الجهود المكثفة التي بذلها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مشيرًا إلى أن الاتفاق المرتقب قد يتضمّن ملحقًا دبلوماسيًا، ومن المتوقّع توقيعه خلال اجتماع سوري–إسرائيلي رفيع المستوى يُعقد في إحدى الدول الأوروبية في المستقبل القريب. ولم يستبعد المصدر نفسه إمكان إنجاز التوقيع خلال لقاء مباشر بين الشرع ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وتأتي هذه المعطيات استكمالًا لمواقف سابقة عبّر عنها الجانب السوري، إذ كان وزير الخارجية أسعد الشيباني قد أعلن، الشهر الماضي، أن دمشق تتوقّع التوصّل إلى اتفاق أمني مع إسرائيل يستند إلى اتفاقية الهدنة الموقّعة عام 1974، مع إدخال تعديلات طفيفة عليها ومن دون إنشاء مناطق عازلة، وذلك قبل نهاية العام الجاري. غير أنّ هذا المسار لا يزال يصطدم بعقبات ميدانية وسياسية، أبرزها الخلاف حول النقاط التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي داخل الأراضي السورية.
في المقابل، ترفض إسرائيل المطلب السوري القاضي بانسحاب كامل من جميع النقاط التي سيطر عليها الجيش بعد سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد.
وتنقل مصادر إسرائيلية، عبر قناة "آي 24 نيوز"، أن أي انسحاب إسرائيلي من بعض النقاط التسع الحالية لن يحصل إلا في إطار "اتفاق سلام كامل" مع سوريا، لا مجرّد تفاهم أمني محدود.
وعلى مستوى أوسع، يندرج هذا الحراك ضمن نقاش إقليمي ودولي متزايد حول آفاق العلاقة بين دمشق وتل أبيب، بين من يرى في الاتفاقات الأمنية مدخلًا تدريجيًا لتخفيف التوتر وبناء قنوات تواصل غير مباشرة، ومن يعتبر أن الانتقال إلى التعاون أو التطبيع الكامل يظلّ مشروطًا بتسويات سياسية معقّدة وضمانات أمنية متبادلة.
وبين هذين المسارين، يبقى الواقع السوري–الإسرائيلي محكومًا بتوازنات دقيقة، تجعل أي تقدّم محتمل بطيئًا ومحفوفًا بالتحديات، في ظلّ تاريخ طويل من الصراع وحسابات إقليمية لا تزال تلقي بثقلها على فرص السلام.