في ظلّ بيئة إقليمية شديدة الهشاشة، يتزايد منسوب القلق من انزلاق الشرق الأوسط نحو موجة تصعيد جديدة، مع احتدام التهديدات المتبادلة بين إسرائيل وإيران، وتراجع هامش المناورة الدبلوماسية في أكثر من ملف. وفي هذا السياق المتوتر، يبرز الملف الصاروخي الإيراني كأحد أخطر عناوين الاشتباك غير المباشر، وسط تحذيرات إسرائيلية متصاعدة من أن أي فشل في احتواء هذا التهديد قد يفتح الباب أمام مواجهة واسعة لا يمكن ضبط تداعياتها.
وفي هذا الإطار، قال مسؤول عسكري إسرائيلي إن الهجوم على إيران «لا مفرّ منه» في حال لم يتمكّن الأميركيون من التوصل إلى اتفاق يقيّد برنامج طهران للصواريخ الباليستية. ونقل موقع واي نت عن المسؤول قوله إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيضع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في صورة معلومات استخباراتية حساسة تتعلق بهذا التهديد، خلال لقاء مرتقب بينهما يوم الاثنين المقبل.
وأضاف المسؤول أن إسرائيل قد تجد نفسها مضطرة للتحرك عسكرياً إذا فشلت الجهود الدبلوماسية في التوصل إلى اتفاق يحدّ من الخطر المتنامي، مشدداً على أن التهديد الذي تمثله الصواريخ الباليستية الإيرانية «بالغ الخطورة». ولفت إلى أن إطلاق أعداد كبيرة من هذه الصواريخ باتجاه إسرائيل «قد يسبب أضراراً تضاهي تأثير قنبلة نووية صغيرة»، في ظل تقارير تتحدث عن استعداد إيران لإنتاج كميات كبيرة من الصواريخ، بما يتيح شن هجمات بمئات الصواريخ دفعة واحدة، بهدف ردع إسرائيل في حال تجددت الحرب.
وتتزامن هذه التحذيرات مع مواقف سياسية إسرائيلية علنية، إذ أعلن نتنياهو، الثلاثاء، أن إسرائيل «على علم» بقيام إيران بتنفيذ «تدريبات» في الآونة الأخيرة، مؤكداً أنه سيبحث هذه الأنشطة مباشرة مع الرئيس الأميركي. وحذّر من أن أي تحرك إيراني سيقابَل برد «قاسٍ للغاية»، في ظل قلق متزايد داخل إسرائيل من أن التحركات الصاروخية قد تكون جزءاً من مساعٍ لإعادة ترميم الترسانة الباليستية الإيرانية بعد حرب حزيران التي استمرت 12 يوماً.
وجاءت تصريحات نتنياهو عقب تقارير داخل إيران تحدثت عن اختبارات أو مناورات صاروخية في عدد من المحافظات، قبل أن ينفي التلفزيون الرسمي الإيراني إجراء أي مناورات أو تجارب. غير أن هذا النفي تزامن مع تقرير نشرته وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» عن رصد دخان أبيض في عدة مناطق، نُسب إلى نشاطات صاروخية، فيما بثّت القناة الأولى الإيرانية تقريراً دعائياً عن هجمات حزيران تضمّن تهديدات مباشرة لإسرائيل بـ«الجحيم الصاروخي».
وفي موازاة ذلك، لمح رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، الفريق أول إيال زامير، إلى احتمال استهداف إيران مجدداً، معتبراً أن الجيش سيضرب أعداء إسرائيل «حيثما يتطلب الأمر، على الجبهات القريبة والبعيدة على حد سواء». وذهب زامير أبعد من ذلك، واصفاً الحملة ضد إيران بأنها في صلب «أطول وأعقد حرب» في تاريخ إسرائيل، متهماً طهران بتمويل وتسليح أطراف حاصرت إسرائيل على جبهات متعددة.
في المقابل، ردّت طهران على هذه التهديدات، إذ أكد المتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية، أبو الفضل شكارجي، أن القدرات البحرية والبرية والصاروخية لإيران «جاهزة لمواجهة أي سيناريو يفرضه العدو»، مشيراً إلى أن جزءاً كبيراً من هذه القدرات «لم يُستخدم بعد».
وفي سياق متصل، أفاد تقرير لموقع أكسيوس بأن مسؤولين إسرائيليين أبلغوا إدارة ترامب خلال عطلة نهاية الأسبوع أن التحركات الصاروخية الإيرانية الأخيرة تثير قلقاً متزايداً، رغم أن المعلومات الاستخباراتية المتوافرة لا تشير حتى الآن سوى إلى تحركات قوات داخل الأراضي الإيرانية.
وأشار التقرير إلى أن هامش تحمّل المخاطر لدى الجيش الإسرائيلي بات أدنى بكثير مما كان عليه سابقاً، في أعقاب تداعيات هجوم حركة حماس في 7 تشرين الأول 2023، ناقلاً عن مصدر إسرائيلي قوله إن «احتمالات الهجوم الإيراني تقل عن 50 في المائة، لكن لا أحد مستعد لتحمّل المخاطرة والاكتفاء بالقول إنها مجرد مناورة».