ألقى العلّامة السيّد علي فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وحشد من المؤمنين، حيث خُصّص القسم السياسي من الخطبة لمواكبة التطورات الأمنية والمالية والإقليمية الراهنة.
وفي ما يتصل بالتصعيد الإسرائيلي، شدّد فضل الله على أن إسرائيل تواصل اعتداءاتها على لبنان من خلال الغارات التي تستهدف أكثر من منطقة لبنانية، وعمليات الاغتيال بحق مواطنين لبنانيين، وتفجير المنازل في القرى الحدودية، إضافة إلى الطيران المسيّر التجسسي الذي لا يفارق الأجواء اللبنانية، ومنع الإعمار، بالتوازي مع تثبيت احتلالها للمواقع التي تسيطر عليها داخل الأراضي اللبنانية. ولفت إلى أن إسرائيل لا تُبدي أي استعداد لإطلاق سراح الأسرى اللبنانيين، خلافاً لما ينص عليه الاتفاق المبرم مع الدولة اللبنانية، فيما تواكب ذلك بتهديدات يطلقها قادة كيانها بتصعيد أكبر على لبنان في حال عدم خضوعه لما تريده.
ورأى أن ما يجري يحصل رغم وفاء لبنان بكل ما التزم به بموجب الاتفاق، وهو يوشك على الإعلان عن إنهاء وجود أي مظاهر مسلّحة في جنوب الليطاني تنفيذاً له، ما يؤكد، بحسب تعبيره، أن إسرائيل لن تكتفي بما تحقق، بل تسعى إلى فرض مزيد من التنازلات على الدولة اللبنانية، وقد باتت تعلن عنها صراحة، من خلال السعي إلى رسم جديد للحدود اللبنانية، وإنشاء منطقة عازلة ذات أبعاد أمنية واقتصادية، واستمرار امتلاكها حرية الحركة داخل الأراضي اللبنانية بذريعة مواجهة ما تدّعيه من تهديد لأمنها.
وفي هذا السياق، دعا فضل الله الدولة اللبنانية إلى التمسك بموقفها الثابت أمام اللجنة المكلّفة تنفيذ وقف إطلاق النار والدول الراعية له، وتحميلها مسؤولية إلزام إسرائيل بوقف عدوانها المستمر، والانسحاب من المواقع التي احتلتها، وإعادة الأسرى اللبنانيين بعد وفاء لبنان بكل التزاماته. كما حذّر من تقديم أي تنازلات مجانية في وقت لم تلتزم فيه إسرائيل بما هو مطلوب منها، مؤكداً ضرورة وضع خطة طوارئ تحسّباً لأي مغامرة إسرائيلية محتملة، إلى جانب تفعيل الدبلوماسية اللبنانية واستنفارها في هذه المرحلة الحساسة. وجدّد في المقابل دعوته اللبنانيين إلى تجاوز الخلافات الداخلية التي تضعفهم وتتيح لإسرائيل استثمارها لتحقيق أهدافها، مطالباً بموقف وطني موحّد في مواجهة الاعتداءات التي تطال لبنان بكل طوائفه ومناطقه.
وتطرّق فضل الله إلى الجدل الدائر داخل الحكومة حول قانون الفجوة المالية، معتبراً أن معالجة هذا الملف يجب ألا تؤدي إلى طي صفحة الماضي من دون محاسبة من أساؤوا الأمانة في حفظ ثروات اللبنانيين. وأكد أن لا قيام لدولة من دون محاسبة، وأن محاسبة الماضي تشكل المدخل الطبيعي لبناء المستقبل، محذّراً من أن أي قانون يُقرّ على حساب المودعين سيقوّض الثقة بالدولة وبالقطاع المصرفي معاً. وشدّد على أن حق المودعين غير قابل للمساومة، وأن أي مقاربة لا تؤدي إلى استعادة حقوقهم كاملة وضمن جدول زمني واقعي ستُبقي الجرح مفتوحاً، ولن تسمح بعودة الانتظام المالي ولا بانتعاش المصارف.
وفي سياق أمني آخر، حذّر فضل الله من خطورة ما يُتداول في وسائل الإعلام حول ظروف اختطاف نقيب في الأمن العام اللبناني من قبل الموساد الإسرائيلي، داعياً الدولة اللبنانية إلى القيام بدورها الكامل، وتقديم الإيضاحات اللازمة، وكشف ملابسات ما جرى، والعمل الجدي لإعادته.
أما في ما يخص الوضع في فلسطين، فأشار إلى أن إسرائيل تواصل عدوانها على غزة وخرقها لاتفاق وقف إطلاق النار، بالتوازي مع تسريع مخططها التهويدي في الضفة الغربية عبر إقرار مشاريع استيطانية جديدة، مؤكداً أن هذا المسار يستدعي وقفة عربية وإسلامية جادة قبل ضياع ما تبقى من حقوق الفلسطينيين وأرضهم، وربما قضيتهم برمتها.
وختم فضل الله مهنئاً المسلمين والمسيحيين بميلاد السيد المسيح، معرباً عن أمله بأن تكون هذه المناسبة محطة لتعزيز التلاقي والتعاون بين المسلمين والمسيحيين، والعمل المشترك لترسيخ قيم المحبة والتسامح والعدالة التي دعا إليها السيد المسيح، وأكدها رسول الله محمد (ص). واعتبر أن البشرية أحوج ما تكون اليوم إلى هذا التعاون لمواجهة التدهور القيمي والأخلاقي والروحي، والوقوف في وجه مظاهر الظلم والاستكبار والتوحش التي تتكرر يومياً في أكثر من ساحة، سائلاً الله أن تحمل السنة الميلادية المقبلة الخير ورفع الغمّة عن لبنان وفلسطين وسوريا، وأن تكون سنة أمل وسلام للبنان وللعالم.