كشفت تقارير وتحليلات إسرائيلية عن معطيات لافتة تتعلق باستراتيجية إيران والحرس الثوري في ما يخص المواجهة مع إسرائيل، وسط تقديرات بأن طهران تؤجل أي صدام واسع إلى ما بعد خروج رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو من المشهد السياسي.
وبحسب ما نقلته صحيفة “معاريف أونلاين” عن وكالات الأنباء، يستند الباحث في الشأن الإيراني كسرة أرابي، مدير قسم أبحاث الحرس الثوري في منظمة United Against Nuclear Iran، إلى سلسلة محادثات أجراها مع مصادر داخل إيران، من بينها شخصيات في الحرس الثوري، ليؤكد أن القيادة الإيرانية تبني استراتيجيتها الحالية على سيناريو واحد مركزي: “اليوم الذي يلي نتنياهو”.
وفي مقال رأي نشره هذا الأسبوع في صحيفة Jewish Chronicle البريطانية، يقول أرابي إن المرشد الإيراني علي خامنئي وكبار أركان النظام يعتبرون نتنياهو تهديدًا استثنائيًا لوجود النظام نفسه، ويفضلون الانتظار إلى ما بعد خروجه من رئاسة الحكومة قبل استئناف مواجهة واسعة مع إسرائيل.
وبحسب أرابي، تسود في طهران حالة “هوس أمني” حقيقي تجاه نتنياهو، أعمق بكثير مما يُدرك في إسرائيل نفسها. ففي نظر القيادة الإيرانية، يمكن “إدارة” الولايات المتحدة ورؤسائها، سواء عبر المماطلة أو الاحتواء أو كسب الوقت، حتى بعد الضربات الأميركية غير المسبوقة التي استهدفت منشآت نووية إيرانية. ويعكس استمرار محاولات طهران استرضاء إدارة دونالد ترامب، رغم تلك الضربات، قناعة إيرانية بأن واشنطن ليست الخطر الحقيقي.
أما نتنياهو، فيُنظر إليه داخل إيران على أنه تهديد من نوع مختلف كليًا. وينقل أرابي عن مصدر في الحرس الثوري قوله: “الضربة التي شهدناها في حزيران لم تكن لتحدث لولا نتنياهو”. ووفق التقرير، لا تُعد هذه القناعة هامشية، بل تمثل رؤية راسخة داخل دوائر صنع القرار في طهران، التي تعتقد أن اغتيال قادة بارزين في الحرس الثوري، والضربات العميقة التي طالت البنية النووية، والاختراق الإسرائيلي الواسع للعمق الإيراني، ما كانت لتقع لو كان على رأس الحكومة الإسرائيلية زعيم آخر.
انطلاقًا من هذه القراءة، يعتمد النظام الإيراني حاليًا سياسة “كسب الوقت”. فإيران، وفق التحليل، ليست هادئة لأنها هُزمت، بل لأنها تنتظر. التقدير السائد في طهران هو أن نافذة الفرص الإسرائيلية ستُغلق مع أي تغيير سياسي في القدس، ولذلك تسعى إيران إلى الصمود، وإعادة بناء قدراتها، ثم العودة بقوة أكبر في مرحلة لاحقة.
وفي هذا السياق، تعمل إيران على معالجة نقاط ضعفها، لا سيما في مواجهة التفوق الجوي الإسرائيلي، عبر نقل منشآتها العسكرية إلى أعماق الأرض، وتطوير منظومات دفاع جوي محلية أو مستوردة، إضافة إلى تنفيذ تغييرات بنيوية داخل المؤسسة العسكرية، أبرزها تفكيك مركزية القيادة، بحيث لا يؤدي اغتيال قيادات عليا إلى شلّ المنظومة بالكامل.
إلى جانب ذلك، يشير التقرير إلى مسار مقلق آخر يتمثل في “تطهير صامت” داخل الحرس الثوري، حيث يجري إقصاء أو تهميش ضباط مخضرمين، مقابل ترقية جيل شاب أكثر أيديولوجية وتطرفًا. ويصف أرابي هؤلاء بأنهم نتاج عملية راديكالية متراكمة منذ عام 2009، ويتسمون بعداء أشد وصبر أقل، ويرون في سياسة “ضبط النفس” التي اتبعت في السنوات الأخيرة علامة ضعف ينبغي تصحيحها.
ومن هنا، يخلص أرابي إلى تحذير أساسي مفاده أن إسرائيل قد تواجه في المستقبل القريب إيران أكثر تشددًا، أقل انضباطًا، وأكثر خطورة، حتى لو كانت أقل مهنية. وبرأيه، لا يكمن السؤال الحقيقي أمام إسرائيل في خيار “الحرب أو السلام”، بل في التوقيت: هل تتحرك الآن، في مرحلة حذر إيراني وخشية من المواجهة، أم تنتظر إلى أن تشتد قوة طهران وتصبح أكثر اندفاعًا نحو الانتقام؟