أثارت عقود جديدة لبيع المركبات في الجزائر موجة استياء واسعة، بعدما فرضت بعض الشركات المصنّعة على المشترين التوقيع على تعهّد بعدم التصرّف بالمركبة "مدى الحياة"، بحجة الحدّ من المضاربة. هذا الإجراء قوبل بانتقادات من مختصين اعتبروه سابقة غير معهودة.
ويأتي ذلك في ظل أزمة حادة تشهدها سوق السيارات في الجزائر على صعيدي العرض والطلب، منذ وقف استيراد السيارات عام 2018، وتوقّف مصانع التركيب عام 2019، على خلفية الحراك الشعبي وما تبعه من سجن عدد كبير من مالكي هذه المصانع بتهم فساد، وفق أحكام قضائية نهائية.
ورغم تسجيل انفراج نسبي في السوق خلال الأشهر الماضية، بعد السماح للأفراد باستيراد سيارات جديدة أو لا يتجاوز عمرها 3 سنوات، إلا أن مراقبين يؤكدون أن السوق لا تزال بحاجة إلى أكثر من مليون سيارة جديدة لتحقيق التوازن.
وفي خضم هذه الأزمة، افتتحت السلطات الجزائرية مصنعًا لتركيب سيارات "فيات" الإيطالية، حيث يُطلب من الراغبين في الشراء تسجيل طلباتهم عبر موقع إلكتروني مخصص، للحصول لاحقًا على سيارة سياحية. غير أن هذا الإجراء استُغل من قبل بعض المضاربين الذين أعادوا بيع السيارات بأسعار مضاعفة، ما دفع الحكومة إلى سنّ قانون يُلزم المشترين بالتوقيع على تعهّد بعدم التصرّف بالمركبة لمدة 3 سنوات.
إلا أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، إذ ذهبت شركات أخرى إلى أبعد من ذلك، فارضةً على المستهلكين توقيع عقود تمنع التصرّف بالمركبة مدى الحياة، ما أثار موجة استغراب وانتقادات واسعة في الأوساط المختصة والشعبية.
وفي هذا السياق، اعتبر الخبير الاقتصادي بلقاسم حداد، في تصريح لـ"العربية.نت"، أن المراحل التي مرّ بها سوق السيارات منذ عام 2018 أدّت إلى اختلالات كبيرة تحتاج إلى سنوات إضافية لمعالجتها. وأوضح أن أبرز هذه الاختلالات يتمثّل في الخلل بين العرض والطلب، حيث يقابل الطلب المرتفع نقص حاد في السيارات الجديدة، رغم فتح باب استيراد السيارات الأقل من 3 سنوات أو الجديدة بالنسبة للأفراد، وهو ما يبقى غير كافٍ لتجديد حظيرة السيارات.
وأضاف حداد أن المضاربة في سوق السيارات أصبحت مربحة، لكون الخيار الوحيد للحصول على سيارة بسعر معقول نسبيًا هو التسجيل على المنصات الدورية لشراء سيارات "فيات"، ما أدى إلى تضاعف أسعارها في السوق الموازية، ودفع السماسرة والمضاربين إلى المتاجرة بها.
وعن تحديد مدة زمنية تمنع المستهلك من التصرّف بالمركبة، رأى حداد أن مدة ثلاث سنوات طويلة، ويمكن تقليصها إلى سنتين أو حتى سنة واحدة، معتبرًا أن المضاربين لن يحتفظوا بالمركبة لمدة سنة، فيما يجب تمكين الأفراد من حرية التصرّف بها.
من جهته، أعلن المنسق الوطني للمنظمة الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك ومحيطه دعم المنظمة لإجراء التعهّد بعدم بيع أو التصرّف بالمركبة لمدة 3 سنوات. لكنه شدد في الوقت نفسه على ضرورة أن يكون هذا التعهّد محددًا بزمن، موضحًا أن التعهّد غير المحدد، ولا سيما مدى الحياة، يخالف القانون المعمول به، ويشكّل خللًا قانونيًا غير مقبول.