Beirut
16°
|
Homepage
العلويونَ وسِرُّ الخِطَابِ
الشيخ شادي عبده مرعي | المصدر: ليبانون ديبايت | السبت 03 حزيران 2017 - 9:46

المُقاومُ يستثيرُ هِمَمَهُمْ... والمتخاذلُ يستفزُّهم
عشقوا الخطاباتِ المدويِّةِ لِقَادَةٍ بِعِيْنِهِمْ
هناك مراتبٌ ومنازلٌ للخطباء
في البدءِ كانتِ الكلمة ..
والكلمة عند العلويين لها طابعُ خاصٌ وتأثيرٌ مميز..
تراهم إذا سمعوا بخبرٍ أو نبأٍ يفيد بأنَّ مَحْبُوباً لهم سيلقي خطاباً أو كلمةً استعدوا لسماعه استعداداً مميزاً له نكهةٌ ظريفةٌ:

فالمقاهي تبدأُ بترتيبِ أوضاعها وتوسيع ساحاتها بما يفيد استقبال المتجمهرين الذين سيبدأون القدوم إليها قبل ساعاتٍ من موعدِ الخطاب الحدث المنتظر على نارٍ واشواقٍ ولهفاتٍ ليحجزوا مراكز متقدمةٍ ومناسبةٍ لوضعهم ضمن هذا الإحتفال، فيباشر كل محتشدٍ بانتقاء مكانه المناسب ونرجيلته المناسبة وكمية الفحم المناسبة التي تكفيه حتى انتهاء الكلمة الموعودة لأنه طبعاً لن يفارق ــ ولو لبضع ثوانٍ ــ الشاشة التي تمسمرت عيناه وأذناه متبعةٍ إيقاعِ الصوت الهادر الذي تجيد به قريحة الخطيب.
والذين لا تروق لهم المقاهي يجلسون قبل ساعاتٍ في البيت منتظرين متلهفين ..
وأصحاب المحلاتِ والمتاجر ينهون أعمالهم قبل بدء الخطاب أو يؤجلونها لحين انتهائه ..
حتى إذا حانَ موعد الخطاب، وما إنْ يطل المٌنْتَظَر حتى تتعالى الصيحاتُ والتكبيراتُ والهُتفاتُ بإطالة عمرهِ وحمايتهِ وَنَصْره على من يُعاديهِ.
فكل ابتسامة ـ ولو عفوية ـ تظهر على وجه الخطيب لها معانٍ ومدلولاتٍ عندهم، وكلُّ اشارةٍ أو إيماءةٍ بيديه لها الدلالة عينها، وكذلك الحالة النفسية التي يخاطبهم بها يقيمون لها اعتباراتٍ كثيرةً. وتستمر هذه الحالة التفاعلية بشكلٍ مذهل فيه كثيرٌ من الإندماج والتمازج بين مشاهد ومواقف متعددةٍ ومختلفةٍ :
مشهد الخطيب الذي يقولُ ما يقولُ وكل قوله هو تجسيدٌ لمصالحهِ وأفكارهِ وتطلعاته للحالة السياسية الراهنة ...
ومشهد المتجمهرين حول الشاشات الذين يحس كل منهم أنَّه ينطقُ بلسانه ويعبر عن حاله فكأنَّهُ صار في وحدةٍ وجوديةٍ مع الخطيبِ .
ومشهد المكان الذي تشعر وكأنه أصبح جزءاً من هذه الحالة التفاعلية الإندماجية ..
فما سرُّ هذا الخطاب الذي يفعل فعله في نفسية العلويين؟
إنَّه لا يُقدِّم لهم لا خبزاً ولا ماءً ولا مالاً ولا تعويضاتٍ ولاتقديماتٍ ..
إنَّهُ مجرَّدُ كلامٍ سياسي تتغير حروفه ويتبدل توصيفه واتجاهاته وأساليبه حسب المصالح والإرتباطات السياسية ؟!!
إنَّها إذاً الكلمة يا سادة ...
التي لطالما عاش العلويين بين حروفها وتفيؤا بظلالِ حركاتها واستطالوا على الآخرين بأسرارها وألغازها ...
إنَّها الكلمة التي من امتلك أدواتِ صنعها وتركيبها امتلك قلوبهم وعقولهم وأخذهم إلى حيث يشاء..
لكن أيُّ كلمةٍ هذه التي تغني عن المأكل والملبس والمشرب وحتى عن المصير ؟!!
إنَّها الكلمة المقاومة المتحدية الجبارة ..
الكلمة التي تنضح بعباراتِ (المناهضة للإستبدادِ)
إنَّها الحروفُ التي تجرُّ عروشُ الظلمِ إلى ميادينِ المبارزة والحربِ المفتوحةِ، والتي تكسر بإرادة المستضعفين كلُّ شِدَّتِهِمْ وَشَدَّاتهم، وتفضحُ بواو( رُبَّ ) كلُّ خططهم ومخططاتهم وتفتح بِـ (لعلَّ) آفاقَ ومفاتيحَ النصر .

أمَّا الكلمة الخافتة المترهلة تمقتهم وتشعرهم بالإشمئزاز، فلا يكادوا يطيقونها فيهربون من سماعها مسافة آلاف الكيلو مترات، فإنْ مرُّوا بذكرها شعروا بوعكةٍ صحيةٍ احتاجُوا بعدها إلى عملية تنظيف أذنهم الخارجية والوسطى والداخلية.
وهنا لا ينحصر هذا الإعجاب فقط بمن يمثلهم سياسياً، بل هناك نصيبٌ من حظٍّ ينالهُ كل من القادة السياسيين العالميين الذين يقدرون مواقفهم، وتتراوح مراتبهم ودرجاتهم بمقدار قوة نبراتهم الصوتية ومهاجمتهم للإستعمار والصهيونية والأنظمة العربية التي تدور في فلكها.
يُضاف إليهم عددٌ من الساسة اللبنانين الذين لهم حظ كبير وقدر طيب، بالرغم من أن كثيراً منهم افتقد القدرة الخطابية التي يمتلكها عادةً أي خطيبٍ جماهيري، إضافةً إلى رعيلٍ من صحفيين وإعلاميين.
وليس في كلامنا هذا غلو ولا جنوح إلى التهويل إنه توصيف منطقي للواقع وما يقال عند العلويين، قد يكونُ بتفاصيل أخرى عند غيرهم: هو نفسه، وربما بحدة أكبر.

في النهاية :
كانتِ الكلمة وما زالت صمَّام أمانٍ للشعوبِ .. وهنا نختم وهو مسك الختام بقوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ)[ابراهيم:24].
وفي وصيَّة الرسول الكريم(ع) لأبي ذرٍّ رضي الله عنه :"إملاء الخير خيرٌ من السكوتِ، والسكوت خير من إملاءِ الشرِّ".
وسلامٌ على طيب الكلامِ
الشيخ شادي عبده مرعي - المجلس الإسلامي العلوي
تابعوا آخر أخبار "ليبانون ديبايت" عبر Google News، اضغط هنا
الاكثر قراءة
باسيل يدير ميشال عون 9 خطر كبير يهدد سكان الأشرفية ودعوة عاجلة لـ "حراسة ذاتية".. نديم الجميل يرفع الصوت! 5 دير الأحمر اتخذت قرارها بشأن السوريين… المهلة حُدّدت وهذا ما سيحصل غداً! 1
بينهم سوريَّين... الجيش يوقف 6 أشخاص! 10 "قلق وخوف" في طرابلس... على المسؤولين التحرّك فورًا! 6 فضيحة "مدوّية" هزّت لبنان... انتبهوا لأطفالكم! 2
بعد الإشارة بحقّه في قضية "التيكتوكرز"... سنجر يكشف خلفية الهجوم عليه! 11 مقتل رجل أعمال في مصر يثير الشكوك! 7 سحب العناصر "أنجز" 3
درجات الحرارة إلى ارتفاع كبير... وهذه المناطق ستنال حصّة الأسد! 12 "حدثٌ عظيمٌ"... جنبلاط يتحدّث عن "يوم النصر"! 8 من جديد... راصد الزلازل الهولندي يثير الجدل بمنشور عن "العرب" 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر